وجملة ( يكادون يسطون ) في موضع بدل الاشتمال لجملة ( تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ) لأن الهم بالسطو مما يشتمل عليه المنكر .
( قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير [ 72 ] ) A E استئناف ابتدائي يفيد زيادة إغاظتهم بأن أمر الله النبي A أن يتلو عليهم ما يفيد أنهم صائرون إلى النار .
والتفريع بالفاء ناشئ من ظهور أثر المنكر على وجوههم فجعل دلالة ملامحهم بمنزلة دلالة الألفاظ . ففرع عليها ما هو جواب عن كلام فيزيدهم غيظا .
ويجوز كون التفريع على التلاوة المأخوذة من قوله ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) أي اتل عليهم الآيات المنذرة والمبينة لكفرهم وفرع عليها وعيدهم بالنار .
والاستفهام مستعمل في الاستئذان وهو استئذان تهكمي لأنه قد نبأهم بذلك دون أن ينتظر جوابهم .
وشر : اسم تفضيل أصله أشر . كثر حذف الهمزة تخفيفا كما حذفت في خبر بمعنى أخير .
والإشارة ب ( ذلكم ) إلى ما أثار منكرهم وحفيظتهم أي بما هو أشد شرا عليكم في نفوسكم مما سمعتموه فأغضبكم أي فإن كنتم غاضبين لما تلي عليكم من الآيات فازدادوا غضبا بهذا الذي أنبئكم به .
وقوله ( النار ) خبر مبتدأ محذوف دل عليه قوله ( بشر من ذلكم ) . والتقدير : شر من ذلكم النار .
فالجملة استئناف بياني أي إن سألتم عن الذي هو أشد شرا فاعلموا أنه النار .
وجملة ( وعدها الله ) حال من النار أو هي استئناف .
والتعبير عنهم بقوله ( الذين كفروا ) إظهار في مقام الإضمار أي وعدها الله إياكم لكفركم .
( وبئس المصير ) أي بئس مصيرهم هي فحرف التعريف عوض عن المضاف إليه فتكون الجملة إنشاء ذم معطوفة على جملة الحال على تقدير القول . ويجوز أن يكون التعريف للجنس فيفيد العموم أي بئس المصير هي لمن صار إليها فتكون الجملة تذييلا لما فيها من عموم الحكم للمخاطبين وغيرهم وتكون الواو اعتراضية تذييلية .
( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب [ 73 ] ) أعقبت تضاعيف الحجج والمواعظ والإنذارات التي اشتملت عليها السورة مما فيه مقنع للعلم بان إله الناس واحد وأن ما يعبد من دونه باطل أعقبت تلك كلها بمثل جامع لوصف حال تلك المعبودات وعابديها .
والخطاب ب ( يا أيها الناس ) للمشركين لأنهم المقصود بالرد والزجر وبقرينة قوله ( إن الذين تدعون ) على قراءة الجمهور ( تدعون ) بتاء الخطاب .
فالمراد ب ( الناس ) هنا المشركون على ما هو المصطلح الغالب في القرآن . ويجوز أن يكون المراد ب ( الناس ) جميع الناس من مسلمين ومشركين .
وفي افتتاح السورة ب ( يا أيها الناس ) وتنهيتها بمثل ذلك شبه برد العجز على الصدر . ومما يزيده حسنا أن يكون العجز جامعا لما في الصدر وما بعده . حتى يكون كالنتيجة للاستدلال والخلاصة للخطبة والحوصلة للدرس .
وضرب المثل : ذكره وبيانه ؛ استعير الضرب للقول والذكر تشبيها بوضع الشيء بشدة أي ألقي إليكم مثل . وتقدم بيانه عند قوله تعالى ( أن يضرب مثلا ما ) في سورة البقرة .
وبني فعل ( ضرب ) بصيغة النائب فلم يذكر له فاعل بعكس ما في المواضع الأخرى التي صرح فيها بفاعل ضرب المثل نحو قوله تعالى ( إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما ) في سورة البقرة و ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ) في سورة النحل و ( ضرب الله مثلا رجلا ) في سورة الزمر ( وضرب الله مثلا رجلين ) في سورة النحل . إذ أسند في تلك المواضع وغيرها ضرب المثل إلى الله ونحو قوله ( فلا تضربوا لله الأمثال ) في سورة النحل . ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ) في سورة يس إذ أسند الضرب إلى المشركين . لأن المقصود هنا نسج التركيب على إيجاز صالح لإفادة احتمالين .
أحدهما : أن يقدر الفاعل الله تعالى وأن يكون المثل تشبيها تمثيليا أي أوضح الله تمثيلا يوضح حال الأصنام في فرط العجز عن إيجاد أضعف المخلوقات كما هو مشاهد لكل أحد .
والثاني : أن يقدر الفاعل المشركين ويكون المثل بمعنى المماثل أي جعلوا أصنامهم مماثلة لله تعالى في الإلهية