والقرية " سدوم " . وقد تقدم ذكر ذلك في سورة هود . والمراد من القرية أهلها كما مر في قوله تعالى ( واسأل القرية ) في سورة يوسف .
والخبائث : جمع خبيثة بتأويل الفعلة أي الشنيعة . والسوء " بفتح السين وسكون الواو " مصدر أي القبيح المكروه . وأما بضم السين فهو اسم مصدر لما ذكر وهو أغم من المفتوح لأن الوصف بالاسم أضعف من الوصف بالمصدر .
( ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم [ 76 ] ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين [ 77 ] ) لما ذكر أشهر الرسل بمناسبات أعقب يذكر أول الرسل .
وعطف ( ونوحا ) على ( لوطا ) أي آتينا نوحا حكما وعلما فحذف المفعول الثاني ل ( آتينا ) لدلالة ما قبله عليه أي آتيناه النبوة حين نادى أي نادانا .
ومعنى ( نادى ) دعا ربه أن ينصره على المكذبين من قومه بدليل قوله ( فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ) .
وبناء ( قبل ) على الضم يدل على مضاف إليه مقدر أي من قبل هؤلاء أي قبل الأنبياء المذكورين . وفائدة ذكر هذه القبلية التنبيه على أن نصر الله أولياءه سنته المرادة له تعريضا بالتهديد للمشركين المعاندين ليتذكروا أنه لم تشذ عن نصر الله رسله شاذة ولا فاذة .
وأهل نوح : أهل بيته عدا أحد بنيه الذي كفر به .
A E والكرب العظيم : هو الطوفان . والكرب : شدة حزن النفس بسبب خوف أو حزن .
ووجه كون الطوفان كربا عظيما أنه يهول الناس عند ابتدائه وعند مده ولا يزال لاحقا بمواقع هروبهم حتى يعمهم فيبقوا زمنا يذوقون آلام الخوف فالغرق وهم يغرقون ويطفون حتى يموتوا بانحباس التنفس ؛ وفي ذلك كله كرب متكرر فلذلك وصف بالعظيم .
وعدي ( نصرناه ) بحرف ( من ) لتضمينه معنى المنع والحماية كما في قوله تعالى ( إنكم منا لا تنصرون ) وهو أبلغ من تعديته ب ( على ) لأنه يدل على نصر قوي تحصل به المنعة والحماية فلا يناله العدو بشيء . وأما نصره عليه فلا يدل إلا على المدافعة والمعونة .
ووصف القوم بالموصول للإيماء إلى علة الغرق الذي سيذكر بعد . وجملة ( إنهم كانوا قوم سوء ) علة لنصر نوح عليه لأن نصره يتضمن إضرار القوم المنصور عليهم .
والسوء " بفتح السين " تقدم آنفا .
وإضافة قوم إلى السوء إشارة إلى أنهم عرفوا به . والمراد به الكفر والتكبر والعناد والاستسخار برسولهم .
و ( أجمعين ) حال من ضمير النصب في ( أغرقناهم ) لإفادة أنه لم ينج من الغرق أحد من القوم ولو كان قريبا من نوح فإن الله قد أغرق ابن نوح .
وهذا تهديد لقريش لئلا يتكلوا على قرابتهم بمحمد A كما روي أنه لما قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصلت حتى بلغ ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فزع عتبة وقال له : ناشدتك الرحم .
( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين [ 78 ] ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) شروع في عداد جمع من الأنبياء الذين لم يكونوا رسلا . وقد روعي في تخصيصهم بالذكر ما اشتهر به كل فرد منهم من المزية التي أنعم الله بها عليه بمناسبة ذكر ما فضل الله به موسى وهارون من إيتاء الكتاب الماثل للقرآن وما عقب ذلك . ولم يكن بعد موسى في بني إسرائيل عصر له ميزة خاصة مثل عصر داود وسليمان إذ تطور أمر جامعة بني إسرائيل من كونها مسوسة بالأنبياء من عهد يوشع بن نون . ثم بما طرأ عليها من الفوضى من بعد موت " شمشون " إلى قيام " شاول " حمي داود إلا أنه كان ملكا قاصرا على قيادة الجند ولم يكن نبيا وأما تدبير الأمور فكان للأنبياء والقضاة مثل " صمويل " .
فداود أول من جمعت له النبوة والملك في أنبياء بني إسرائيل . وبلغ ملك إسرائيل في مدة داود حدا عظيما من البأس والقوة وإخضاع الأعداد . وأوتي داود الزبور فيه حكمة وعظة فكان تكملة للتوراة التي كانت تعليم شريعة فاستكمل زمن داود الحكمة ورقائق الكلام .
وأوتي سليمان الحكمة وسخر له أهل الصنائع والإبداع فاستكملت دولة إسرائيل في زمانه عظمة النظام والثروة والحكمة والتجارة فكان في قصتهما مثل