ومن آثار العمل بهذه الآية في السنة ما في صحيح البخاري : أن فاطمة " Bها " بلغها أن سبيا جيء به إلى النبي A فأتت تشتكي إليه ما تلقى من الرحى تسأله خادما من السبي فلم تجده . فأخبرت عائشة بذلك رسول الله A فجاءها النبي A وقد أخذت وعلي مضجعهما فجلس في جانب الفراش وقال لها ولعلي : ألا أخبركما بخير لكما مما سألتما تسبحان وتحمدان وتكبران دبر كل صلا ثلاثا وثلاثين فذلك خير لكما من خادم .
وأمر الله رسوله بما هو أعظم مما يأمر به أهله وهو أن يصطبر على الصلاة . والاصطبار : الانحباس مطاوع صبره إذا حبسه وهو مستعمل مجازا في إكثاره من الصلاة في النوافل . قال تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) الآيات وقال ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) .
وجملة ( لا نسألك رزقا ) معترضة بين التي قبلها وبين جملة ( نحن نرزقك ) جعلت تمهيدا لهاته الأخيرة .
والسؤال : الطلب التكليفي أي ما كلفناك إلا بالعبادة لأن العبادة شكر الله على ما تفضل به على الخلق ولا يطلب الله منهم جزاء آخر . وهذا إبطال لما تعوده الناس من دفع الجبايات والخراج للملوك وقادة القبائل والجيوش . وفي هذا المعنى قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) فجملة ( نحن نرزقك ) مبينة لجملة ( ورزق ربك خير وأبقى ) . والمعنى : أن رزق ربك خير وهو مسوق إليك .
والمقصود من هذا الخطاب ابتداء هو النبي A ويشمل أهله والمؤمنين لأن المعلل به هذه الجملة مشترك في حكمة جميع المسلمين .
وجملة ( والعاقبة للتقوى ) عطف على جملة ( لا نسألك رزقا ) المعلل بها أمره بالاصطبار للصلاة أي إنا سألناك التقوى والعاقبة .
وحقيقة العاقبة : أنها كل ما يعقب أمرا ويقع في آخره من خير وسر إلا أنها غلب استعمالها في أمور الخير . فالمعنى : أن التقوى تجيء في نهايتها عواقب خير .
واللام للملك تحقيقا لإرادة الخير من العاقبة لأن شأن لام الملك أن تدل على نوال الأمر المرغوب وإنما يطرد ذلك في عاقبة خير الآخرة . وقد تكون العاقبة في خير الدنيا أيضا للتقوى .
وهذه الجملة تذييل لما فيها من معنى العموم . أي لا تكون العاقبة إلا للتقوى . فهذه الجملة أرسلت مجرى المثل .
( وقالوا لو لا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى [ 133 ] ) A E رجوع إلى التنويه بشأن القرآن وبأنه أعظم المعجزات . وهو الغرض الذي انتقل منه إلى أغراض مناسبة من قوله ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ) .
والمناسبة في الانتقال هو ما تضمنه قوله ( فاصبر على ما يقولون ) فجيء هنا بشنع من أقوالهم التي أمر الله رسوله بأن يصبر عليها في قوله ( فاصبر على ما يقولون ) . فمن أقوالهم التي يقصدون منها التعنت والمكابرة أن قالوا : لولا يأتينا بآية من عند ربه فتؤمن برسالته كما قال تعالى ( فليأتنا بآية كما أريل الأولون ) .
و ( لولا ) حرف تحضيض .
وجملة ( أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) في موضع الحال والواو للحال أي قالوا ذلك في حال أنهم أتتهم بينة ما في الصحف الأولى . فالاستفهام إنكاري ؛ أنكر به نفي إتيان آية لهم الذي اقتضاه تحضيضهم على الإتيان بآية .
والبينة : الحجة .
والصحف الأولى : كتب الأنبياء السابقين . كقوله تعالى ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) .
والصحف : جمع صحيفة . وهي قطعة من ورق أو كاغد أو خرقة يكتب فيها . ولما كان الكتاب مجموع صحف أطلق الصحف على الكتب .
ووجه اختيار الصحف هنا على الكتب أن في كل صحيفة من الكتب علما وأن جميعه حواه القرآن فكان كل جزء من القرآن آية ودليلا