( اذهب إلى فرعون إنه طغى [ 24 ] قال رب اشرح لي صدري [ 25 ] ويسر لي أمري [ 26 ] واحلل عقدة من لساني [ 27 ] يفقهوا قولي [ 28 ] واجعل لي وزيرا من أهلي [ 29 ] هارون أخي [ 30 ] اشدد به أزري [ 31 ] وأشركه في أمري [ 32 ] كي نسبحك كثيرا [ 33 ] ونذكرك كثيرا [ 34 ] إنك كنت بنا بصيرا [ 35 ] قال قد أوتيت سؤلك يا موسى [ 36 ] ) لما أظهر الله له الآيتين فعلم بذلك أنه مؤيد من الله تعالى أمره الله بالأمر العظيم الذي من شأنه أن يدخل الروع في نفس المأمور به وهو مواجهة أعظم ملوك الأرض يومئذ بالموعظة ومكاشفته بفساد حاله وقد جاء في الآيات الآتية ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) .
والذهاب المأمور به ذهاب خاص قد فهمه موسى من مقدمات الإخبار باختياره وإظهار المعجزات له أو صرح له به وطوى ذكره هنا على طريقة الإيجاز على أن التعليل الواقع بعد ينبئ به .
فجملة ( إنه طغى ) تعليل للأمر بالذهاب إليه وإنما صلحت للتعليل لأن المراد ذهاب خاص وهو إبلاغ ما أمر الله بإبلاغه إليه من تغيره عما هو عليه من عبادة غير الله . ولما علم موسى ذلك لم يبادر بالمراجعة في الخوف من ظلم فرعون بل تلقى الأمر وسأل الله الإعانة عليه بما يؤول إلى رباطة جأشه وخلق الأسباب التي تعينه على تبليغه وإعطاءه فصاحة القول للإسراع بالإقناع بالحجة .
وحكي جواب موسى عن كلام الرب بفعل القول غير معطوف جريا على طريقة المحاورات .
ورتب موسى الأشياء المسؤولة في كلامه على حسب ترتيبها في الواقع على الأصل في ترتيب الكلام ما لم يكن مقتض للعدل عنه .
فالشرح حقيقته : تقطيع ظاهر شيء لين . واستعير هنا لإزالة ما في نفس الإنسان من خواطر تكدره أو توجب تردده في الإقدام على عمل ما تشبيها بتشريح اللحم بجامع التوسعة .
والقلب : يراد به في كلامهم والعقل فالمعنى : أزل عن فكري الخوف ونحوه مما يعترض الإنسان من عقبات تحول بينه وبين الانتفاع بإقدامه وعزامته وذلك من العسر فسأل تيسير أمره أي إزالة الموانع الحافة بما كلف به .
والأمر هنا : الشأن وإضافة ( أمر ) إلى ضمير المتكلم لإفادة مزيد اختصاصه به وهو أمر الرسالة كما في قوله الآتي ( وأشركه في أمري ) .
والتيسير : جعل الشيء يسيرا أي ذا يسر . وقد تقدم عند قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ) في البقرة .
ثم سأل سلامة آلة التبليغ وهو اللسان بأن يرزقه فصاحة التعبير والمقدرة على أداء مراده بأوضح عبارة فشبه حبسه السان بالعقدة في الحبل أو الخيط ونحوهما لأنها تمنع سرعة استعماله .
والعقدة : موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر منه وهي بزنة فعلة بمعنى مفعول كقصة وغرفة أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف على وجه الاستعارة لعدم تصرف اللسان عند النطق بالكلمة وهي استعارة مصرحة ويقال لها حبسة . يقال : عقد اللسان كفرح فهو أعقد إذا كان لا يبين الكلام . واستعار لإزالتها فعل الحل المناسب العقدة على طريقة الاستعارة المكنية .
A E وزيادة ( لي ) بعد ( اشرح ) وبعد ( يسر ) إطناب كما أشار إليه صاحب المفتاح لأن الكلام مفيد بدونه . ولكن سلك الإطناب لما تفيده اللام من معنى العلة أي اشرح صدري لأجلي ويسر أمري لأجلي وهي اللام الملقبة لام التبيين التي تفيد تقوية البيان فإن قوله ( صدري و أمري ) واضح أن الشرح والتيسير متعلقان به فكان قوله ( لي ) فيها زيادة بيان كقوله ( ألم نشرح لك صدرك ) وهو هنا ضرب من الإلحاح في الدعاء لنفسه .
وأما تقديم هذا المجرور على متعلقه فليحصل الإجمال ثم التفصيل فيفيد مفاد التأكيد من أجل تكرر الإسناد .
ولم يأت بذلك مع قوله ( واحلل عقدة من لساني ) لأن ذلك سؤال يرجع إلى رسالة الله إلى فرعون فليست فائدتها راجعة إليه حتى يأتي لها بلام التبيين .
وتنكير ( عقدة ) للتعظيم أي عقدة شديدة .
و ( من لساني ) صفة ل ( عقدة ) . وعدل عن أن يقول : عقدة لساني بالإضافة ليتأتى التنكير المشعر بأنها عقدة شديدة