وأفادت جملة ( إنما نعد لهم عدا ) تعليل النهي عن التعجيل عليهم لأن ( إنما ) مركبة من ( إن ) و ( ما ) وإن تفيد التعليل كما تقدم غير مرة .
A E وقد استعمل العد مجازا في قصر المدة لأن الشيء القليل يعد ويحسب . وفي هذا إنذار باقتراب استئصالهم .
( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [ 85 ] ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [ 86 ] لا يملكون الشفعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا [ 87 ] ) إتمام لإثبات قلة غناء آلهتهم عنهم تبعا لقوله ( ويكونون عليهم ضدا ) .
فجملة ( لا يملكون الشفاعة ) هو مبدأ الكلام وهو بيان لجملة ( ويكونون عليهم ضدا ) .
والظرف وما أضيف الظرف إليه إدماج بينت به كرامة المؤمنين وإهانة الكافرين . وفي ضمنه زيادة بيان الجملة ( ويكونون عليهم ضدا ) بأنهم كانوا سبب سوقهم إلى جهنم وردا ومخلفتهم لحال المؤمنين في ذلك المشهد العظيم . فالظرف متعلق ب ( يملكون ) .
وضمير ( لا يملكون ) عائد للآلهة . والمعنى : لا يقدرون على أن ينفعوا من اتخذوهم آلهة ليكونوا لهم عزا .
والحشر : الجمع مطلقا يكون في الخير كما هنا . وفي الشر كقوله ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) ولذلك أتبع فعل ( نحشر ) بقيد ( وفدا ) أي حشر الوفود إلى الملوك فإن الوفود يكونون مكرمين وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات ولأعيان العرب وفادات سنويه على ملوكهم وسادتهم . ولكل قبيلة وفادة وفي المثل " إن الشقي وافد البراجم " .
وقد اتبع العرب هذه السنة فوفدوا على النبي A لأنه أشرف السادة . وسنة الوفود عي سنة تسع من الهجرة تلت فتح مكة بعموم الإسلام بلاد العرب .
وذكر صفة ( الرحمان ) هنا واضحة المناسبة للوفد .
والسوق : تسيير الأنعام قدام رعاتها يجعلونها أمامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلت عليهم فالسوق : سير خوف وحذر .
وقوله ( وردا ) حال قصد منها التشبيه فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق .
والورد بكسر الواو : أصله السير إلى الماء وتسمى الأنعام الواردة وردا تسمية على حذف المضاف أي ذات ورد كما يسمى الماء الذي يرده القوم وردا . قال تعالى ( وبئس الورد المورود ) . والاستثناء في ( إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا ) استثناء منقطع أي لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمان عهدا أي من وعده الله بأن يشفع وهم الأنبياء والملائكة .
ومعنى ( لا يملكون ) لا يستطيعون فإن الملك يطلق على المقدرة والاستطاعة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) في سورة العقود .
( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا [ 88 ] لقد جئتم شيئا إدا [ 89 ] يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا [ 90 ] أن دعوا للرحمن ولدا [ 91 ] وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ 92 ] إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [ 93 ] لقد أحصيهم وعدهم عدا [ 94 ] وكلهم آتيه يوم القيمة فردا [ 95 ] ) عطف على جملة ( ويقول الإنسان أإذا ما مت ) أو على جملة ( واتخذوا من دون الله آلهة ) إتماما لحكاية أقوالهم وهو القول بأن لله ولدا وهو قول المشركين : الملائكة بنات الله . وقد تقدم في سورة النحل وغيرها ؛ فصريح الكلام رد على المشركين وكنايته تعريض بالنصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله فهو تكملة للإبطال الذي في قوله تعالى آنفا ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ) الخ .
والضمير عائد إلى المشركين فيفهم منه أن المقصود من حكاية قولهم ليس مجرد الإخبار عنهم أو تعليم دينهم ولكن تفظيع قولهم وتشنيعه وإنما قالوا ذلك تأييدا لعبادتهم الملائكة والجن واعتقادهم شفعاء لهم