والأكثر أن تكون عقب آخر الكلام المبطل بها وقد تقدم على الكلام المبطل للاهتمام بالإبطال وتعجيله والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها كما في قوله تعالى ( كلا والقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر ) على أحد تأويلين . وأما فيها من معنى الإبطال كانت في معنى النفي فهي نقيض " إي " و " أجل " ونحوهما من أحرف الجواب بتقدير الكلام السابق .
والمعنى : لا يقع ما حكى عنه من زعمه ولا من غروره . والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها فلا يعهد في كلام العرب أن يقول قائل في رد كلام : كلا ويسكت .
ولكونها حرف ردع أفادت معنى تاما يحسن السكوت عليه . فلذلك جاز الوقت عليها عند الجمهور . ومنع المبرد الوقف عليها بناء على أنها لابد أن تتبع بكلام وقال الفراء : مواقعها أربعة .
موقع يحسن الوقف عليها والابتداء بها كما في هذه الآية .
موقع يحسن الوقف عليها ولا يحسن الابتداء بها كقوله ( فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا ) .
وموقع يحسن فيه الابتداء بها ولا يحسن الوقف عليها كقوله تعالى ( كلا إنها تذكرة ) .
موقع لا يحسن فيه شيء من الأمرين كقوله تعالى ( ثم كلا سوف تعلمون ) .
وكلام الفراء يبين أن الخلاف بين الجمهور وبين المبرد لفضي لأن الوقف أعم من السكوت التام .
وحرف النفيس في قوله ( سنكتب ) لتحقيق أن ذلك واقع لا محالة كقوله تعالى ( قال سوف استغفر لكم ربي ) .
والمد في العذاب : الزيادة منه كقوله ( فليمدد له الرحمن مدا ) .
و ( ما يقول ) في الموضعين إيجاز لأنه لو حكي كلامه لطال . وهذا كقوله تعالى ( قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) . أي وبقربان تأكله النار . أي ما قاله من الإلحاد والتهكم بالإسلام . وما قاله من المال والولد أي سنكتب جزاءه ونهلكه فنرثه ما سماه من المال والولد أي نرث أعيان ما ذكر أسماءه إذ لا يعقل أن يورث عنه قوله وكلامه . ف ( ما يقول ) بدل اشتمال من ضمير النصب في ( نرثه ) إذ التقدير : ونرث ولده وماله .
والإرث : مستعمل مجازا في السلب والأخذ أو كناية عن لازمه وهو الهلاك . والمقصود : تذكيره بالموت أو تهديده بقرب هلاكه .
ومعنى إرث أولاده أنهم يصيرون مسلمين فيدخلون في حزب الله فإن العاصي ولد عمرا الصحابي الجليل وهشاما الصحابي الشهيد يوم أجنادين فهنا بشارة للنبي A ونكاية وكمد للعاصي بن وائل .
والفرد : الذي ليس معه ما يصير به عددا إشارة إلى أنه يحشر كافرا وحده دون ولده ولا مال له . و ( فردا ) حال .
( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا [ 81 ] كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 82 ] ) عطف على جملة ( ويقول الإنسان أإذا ما مت ) فضمير ( اتخذوا ) عائد إلى الذين أشركوا لأن الكلام جرى على بعض منهم .
والاتخاذ : جعل الشخص الشيء لنفسه فجعل الاتخاذ هنا الاعتقاد والعبادة . وفي فعل الاتخاذ إيماء إلى أن عقيدتهم في تلك الآلهة شيء مصطلح عليه مختلق لم يأمر الله به كما قال تعالى عن إبراهيم ( قال أتعبدون ما تنحتون ) .
وفي قوله ( من دون الله ) إيماء إلى أن الحق يقتضي أن يتخذوا الله إلها إذ بذلك تقرر الاعتقاد الحق من مبدأ الخليقة وعليه دلت العقول الراجحة .
ومعنى ( ليكونوا لهم عزا ) ليكونوا معزين لهم أي ناصرين فأخبر عن الآلهة بالمصدر لتصوير اعتقاد المشركين في آلهتهم أنهم نفس العز أي أن مجرد الانتماء لها يكسبهم عزا .
وأجرى على الآلهة ضمير العاقل لأن المشركين الذين اتخذوهم توهموهم عقلاء مدبرين .
والضميران في قوله ( سيكفرون ويكونون ) يجوز أن يكونا عائدين إلى آلهة أي سينكر الآلهة عبادة المشركين إياهم فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر وستكون الآلهة ذلا ضد العز .
والأظهر أن ضمير ( سيكفرون ) عائد إلى المشركين أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله ( واتخذوا من دون الله آلهة ) . وفيه تمام المقابلة أي بعد أن تكلفوا جعلهم آلهة لهم سيكفرون بعبادتهم فالتعبير بفعل ( سيكفرون ) يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود وأن ضمير ( يكونون ) للآلهة وفيه تشتيت الضمائر . ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يرجع كلا إلى ما يناسبه كقول عباس بن مرداس :