والوعد باق على أصله من المصدرية . وتحقيق الوعد يستلزم تحقيق الموعود به فحصل التصديق بالوعد والموعود به .
ومعنى ( مفعولا ) أن الله يفعل ما جاء في وعده أي يكونه ويحققه . وهذا السجود سجود تعظيم لله إذ حقق وعده بعد سنين طويلة .
وقوله ( ويخرون للأذقان يبكون ) تكرير للجملة باختلاف الحال المقترنة بها . أعيدت الجملة تمهيدا لذكر الحال . وقد يقع التكرير مع العطف لأجل اختلاف القيود . فتكون تلك المغايرة مصححة العطف كقول مرة بن عداء الفقعي : .
فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... إذا الخصم أبزى ماثل الرأس أنكب .
وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... وفي الأرض مثبوت شجاع وعقرب فالخرور المحكي بالجملة الثانية هو الخرور الأول وأنما خروا خرورا واجدا ساجدين باكين فذكر مرتين اهتماما بما صحبه من علامات الخشوع .
وذكر ( يبكون ) بصيغة المضارع لاستحضار الحالة .
والبكاء بكاء فرح وبهجة . والبكاء : يحصل من انفعال باطني ناشئ عن حزن أو عن خوف أو عن شوق .
ويزيدهم القرآن خشوعا على خشوعهم الذي كان لهم من سماع كتابهم .
ومن السنة سجود القارئ والمستمع له بقصد هذه الآية اقتداء بأولئك الساجدين بحيث لا يذكر المسلم سجود أهل الكتاب عند سماع القرآن إلا وهو يرى أجدر بالسجود عند تلاوة القرآن .
( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) لا شك أن لنزول هذه الآية سببا خاصا إذ لا موجب لذكر هذا التخيير بين دعاء الله تعالى باسمه العلم وبين دعائه بصفة الرحمان خاصة دون ذكر غير تلك الصفة من صفات الله مثل : الرحيم أو العزيز وغيرهما من الصفات الحسنى .
ثم لا بد بعد ذلك من طلب المناسبة لوقوعها في هذا الموضع من السورة .
فأما سبب نزولها فروى الطبري والواحدي عن ابن عباس قال : " كان النبي A ساجدا يدعو يا رحمان يا رحيم فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى فأنزل الله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) . وعليه فالاقتصار على التخيير في الدعاء بين اسم الله وبين صفة الرحمان اكتفاء أي أو الرحيم .
وفي الكشاف : عن ابن عباس سمع أبو جهل النبي A يقول : يا الله يا رحمان . فقال أبو جهل : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر . وأخرجه ابن مردويه . وهذا أنسب بالآية لاقتصارها على اسم الله وصفة الرحمان .
وأما موقعها هنا فيتعين أن يكون سبب نزولها حدث حين نزول الآية التي قبلها .
والكلام رد وتعليم بان تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى وشتان بين ذلك وبين دعاء المشركين آلهة مختلفة الأسماء والمسميات والتوحيد والإشراك يتعلقان بالذوات لا بالأسماء .
A E و ( أي ) اسم استفهام في الأصل فإذا اقترنت بها ( ما ) الزائدة أفادت الشرط كما تفيده كيف إذا اقترنت بها " ما " الزائدة . ولذلك جزم الفعل بعدها وهو ( تدعوا ) شرطا وجيء لها بجواب مقترن بالفاء وهو ( فله الأسماء الحسنى ) .
والتحقيق أن ( فله الأسماء الحسنى ) علة الجواب . والتقدير : أي اسم من أسمائه تعالى تدعون فلا حرج في دعائه بعدة أسماء إذ له الأسماء الحسنى وإذ المسمى واحد .
ومعنى ( ادعوا الله أو ادعوا الرحمان ) ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا فالمسمى واحد . وعلى هذا التفسير قد وقع تجوز في فعل ( ادعوا ) مستعملا في معنى اذكروا أو سموا في دعائكم .
ويجوز أن يكون الدعاء مستعملا في معنى سموا وهو حينئذ يتعدى إلى مفعولين . والتقدير : سموا ربكم الله أو سموه الرحمان وحذف المفعول الأول من الفعلين وأبقي الثاني لدلالة المقام .
( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [ 110 ] ) لا شك أن لهذه الجملة اتصالا بجملة ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان ) يؤيد ما تقدم في وجه اتصال قوله ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان ) بالآيات التي قبله فقد كان ذلك بسبب جهر النبي A في دعائه باسم الرحمان