والإشارة ب ( هؤلاء ) إلى الآيات التسع جيء لها باسم إشارة العاقل وهو استعمال مشهور . ومنه قوله تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) وقول جرير : .
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام والأكثر أن يشار ب ( أولاء ) إلى العاقل .
والبصائر : الحجج المفيدة للبصيرة أي العلم فكأنها نفس البصيرة .
وقد تقدم عند قوله تعالى ( هذا بصائر من ربكم ) في آخر الأعراف .
وعبر عن الله بطريق إضافة وصف الرب للسماوات والأرض تذكيرا بأن الذي خلق السماوات والأرض هو القادر على أن يخلق مثل هذه الخوارق .
والمثبور : الذي أصابه الثبور وهو الهلاك . وهذا نذارة وتهديد لفرعون بقرب هلاكه . وإنما جعله موسى ظنا تأدبا مع الله تعالى أو لأنه علم ذلك باستقراء تام أفاده هلاك المعاندين للرسل ولكنه لم يدر لعل فرعون يقلع عن ذلك وكان عنده احتمالا ضعيفا فلذلك جعل توقع هلاك فرعون ظنا . ويجوز أن يكون الظن هنا مستعملا بمعنى اليقين كما تقدم آنفا .
وفي ذكر هذا من قصة موسى إتمام لتمثيل حال معاندي الرسالة المحمدية بحال من عاند رسالة موسى " عليه السلام " .
وجاء في جواب موسى " عليه السلام " لفرعون بمثل ما شافهه فرعون به من قوله ( إني لأظنك يا موسى مسحورا ) مقارعة له وإظهار لكونه لا يخافه وأنه يعامله المثل قال تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) .
( فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا [ 103 ] وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا [ 104 ] ) A E أكملت قصة المثل بما فيه تعريض بتمثيل الحالين إنذارا للمشركين بأن عاقبة مكرهم وكيدهم ومحاولاتهم صائرة إلى ما صار إليه مكر فرعون وكيده ففرع على تمثيل حالي الرسالتين وحالي المرسل إليهما ذكر عاقبة الحال الممثل بها إنذارا للممثلين المصير .
فقد أضمر المشركون إخراج النبي A والمسلمين من مكة فمثلت إرادتهم بإرادة فرعون إخراج موسى وبني إسرائيل من مصر قال تعالى ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا ) .
والاستفزاز : الاستخفاف وهو كناية عن الإبعاد وتقدم عند قوله تعالى ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ) في هذه السورة .
والمراد بمن معه جنده الذين خرجوا معه يتبعون بني إسرائيل .
والأرض الأولى هي المعهودة وهي أرض مصر والأرض الثانية أرض الشام وهي المعهودة لبني إسرائيل بوعد الله إبراهيم إياها .
ووعد الآخرة ما وعد الله به الخلائق على ألسنة الرسل من البعث والحشر .
واللفيف : الجماعات المختلطون من أصناف شتى والمعنى : حكمنا بينهم في الدنيا بغرق الكفرة وتمليك المؤمنين وسنحكم بينهم يوم القيامة .
ومعنى ( جئنا بكم ) أحضرناكم لدينا . والتقدير : جئنا بكم إلينا .
( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) عود إلى التنويه بشأن القرآن متصل بقوله ( ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) . فلما عطف عليه ( وقالوا لن نؤمن لك ) الآيات إلى هنا وسمحت مناسبة ذكر تكذيب فرعون موسى " عليه السلام " عاد الكلام إلى التنويه بالقرآن لتلك المناسبة .
وقد وصف القرآن بصفتين عظيمتين كل واحدة منهما تحتوي على ثناء عظيم وتنبيه للتدبر فيهما .
وقد ذكر فعل النزول مرتين وذكر له في كل مرة متعلق متماثل اللفظ لكنه مختلف المعنى فعلق إنزال الله إياه بأنه بالحق فكان معنى الحق الثابت الذي لا ريب فيه ولا كذب فهو كقوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) وهو رد لتكذيب المشركين أن يكون القرآن وحيا من عند الله .
وعلق نزول القرآن أي بلوغه للناس بأنه بالحق فكان معنى الحق الثاني مقابل الباطل أي مشتملا على الحق الذي به قوام صلاح الناس وفوزهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ) وقوله ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) .
وضمائر الغيبة عائدة إلى القرآن المعروف من المقام