وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمحق على المبطل فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم . والقرينة قوله ( بيني وبينكم ) لأن ظرف " بين " يناسب معنى الحكم . وهذا بمعنى قوله تعالى ( حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ) وقوله ( يوم القيامة يفصل بينكم ) .
والباء الداخلة على اسم الجلالة زائدة لتأكيد لصوق فعل ( كفى ) بفاعله . وأصله : كفى الله شهيدا .
وجملة ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) تعليل للاكتفاء به تعالى والخبير : العليم . وأريد به العليم بالنوايا والحقائق والبصير : العليم بالذوات والمشاهدات من أحوالها . والمقصود من اتباعه به إحاطة العلم وشموله .
( ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ) يجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ) جمعا بين المانع الظاهر المعتاد من الهدى وبين المانع الحقيقي وهو حرمان التوفيق من الله تعالى . فمن أصر على الكفر مع وضوح الدليل لذوي العقول فذلك لأن الله تعالى لم يوفقه . وأسباب الحرمان غضب الله على من لا يلقي عقله لتلقي الحق ويتخذ هواه رائدا له في مواقف الجد .
A E ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) ارتقاء في التسلية أي لا يحزنك عدم اهتدائهم فإن الله حرمهم الاهتداء لما أخذوا بالعناد قبل التدبر في حقيقة الرسالة .
والمراد بالهدى الهدى إلى الإيمان بما جاء به الرسول A .
والتعريف في ( المهتدي ) تعريف العهد الذهني فالمعرف مساو للنكرة فكأنه قيل : فهو مهتد . وفائدة الإخبار عنه بأنه مهتد التوطئة إلى ذكر مقابله وهو ( ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ) . كما يقال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فلان .
ويجوز أن تجعل التعريف في قوله ( فهو المهتدي ) تعريف الجنس فيفيد قصر الهداية على الذي هداه الله قصرا إضافيا أي دون من تريد أنت هداه وأضله الله . ولا يحتمل أن يكون المعنى على القصر الادعائي الذي هو بمعنى الكمال لأن الهدى المراد هنا هدي واحد وهو الهدي إلى الإيمان .
وحذفت ياء ( المهتدي ) في رسم المصحف لأنهم وقفوا عليها بدون ياء على لغة من يقف على الاسم المنقوص غير المنون بحذف الياء وهي لغة فصيحة غير جارية على القياس ولكنها أوثرت من جهة التخفيف لثقل صيغة اسم الفاعل مع ثقل حرف العلة في آخر الكلمة . ورسمت بدون ياء لأن شأن أواخر الكلم أن ترسم بمراعاة حال الوقف . وأما في حال النطق في الوصل فقرأها نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل وهو الوجه ولذلك كتبوا الياء في مصاحفهم باللون الأحمر وجعلوها أدق من بقية الحروف المرسومة في المصحف تفرقة بينها وبين ما رسمه الصحابة كتاب المصحف . والباقون حذفوا الياء في النطق في الوصل إجراء للوصل مجرى الوقف . وذلك وإن كان نادرا في غير الشعر إلا أن الفصحاء يجرون الفواصل مجرى القوافي . واعتبروا الفاصلة كل جملة تم بها الكلام كما دل عليه تمثيل سيبويه في كتابة الفاصلة بقوله تعالى ( والليل إذا يسر ) وقوله ( قال ذلك ما كنا نبغ ) . وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) في سورة الرعد .
والخطاب في ( فلن تجد لهم أولياء من دونه ) للنبي A لأن هذا الكلام مسوق لتسليته على عدم استجابتهم له . فنفي وجدان الأولياء كناية عن نفي وجود الأولياء لهم لأنهم لو كانوا موجودين لوجدهم هو وعرفهم .
والأولياء : الأنصار أي لن تجد لهم أنصارا يخلصونهم من جزاء الضلال وهو العذاب . ويجوز أن يكون الأولياء بمعنى متولي شانهم أي لن تجد لهم من يصلح حالهم فينقلهم من الضلال كقوله تعالى ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) .
وجمع الأولياء باعتبار مقابلة الجمع بالجمع أي لن تجد لكل واحد وليا ولا لجماعته وليا كما يقال : ركب القوم دوابهم .
و ( من دونه ) أي غيره .
( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [ 97 ] ) ذكر المقصود من نفي الولي أو المئال له بذكر صورة عقابهم بقوله ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ) الآية