في الموطأ أن عمر بن الخطاب " Bه " قال في خطبة خطبها في آخر عمره : " أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا " وضرب بإحدى يديه على الأخرى . " لعله ضرب بيده اليسرى على يده اليمنى الممسكة السيف أو العصا في حال الخطبة " . وهذا الضرب علامة على أنه ليس وراء ما ذكر مطلب للناس في حكم لم يسبق له بيان في الشريعة .
وقدم ذكر علمه ( بمن ضل عن سبيله ) على ذكر علمه ( بالمهتدين ) لأن المقام تعريض بالوعيد للضالين ولأن التخلية مقدمة على التحلية فالوعيد مقدم على الوعد .
( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [ 126 ] ) عطف على جملة ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة ) أي إن كان المقام مقام الدعوة فلتكن دعوتك إياهم كما وصفنا وإن كنتم أيها المؤمنون معاقبين المشركين على ما نالكم من أذاهم فعاقبوهم بالعدل لا بتجاوز حد ما لقيتم منهم .
فهذه الآية متصلة بما قبلها أتم اتصال وحسبك وجود العاطف فيها . وهذا تدرج في رتب المعاملة من معاملة الذين يدعون ويوعظون إلى معاملة الذين يجادلون ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم . وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام .
وهذا مختار النحاس وابن عطية وفخر الدين وبذلك يترجح كون هذه الآية مكية مع سوابقها ابتداء من الآية الحادية والأربعين وهو قول جابر بن زيد كما تقدم في أول السورة . واختار ابن عطية أن هذه الآية مكية .
ويجوز أن تكون نزلت في قصة التمثيل بحمزة يوم أحد وهو مروي بحديث ضعيف للطبراني . ولعله اشتبه على الرواة تذكر النبي A الآية حين توعد المشركين بأن يمثل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم .
والخطاب للمؤمنين ويدخل فيه النبي A .
والمعاقبة : الجزاء على فعل السوء بما يسوء فاعل السوء .
A E فقوله ( بمثل ما عوقبتم ) مشاكلة ل ( عاقبتم ) . استعمل ( عوقبتم ) في معنى عوملتم به لوقوعه بعد فعل ( عاقبتم ) فهو استعارة وجه شبهها هو المشاكلة . ويجوز أن يكون ( عوقبتم ) حقيقة لأن ما يلقونه من الأذى من المشركين قصدوا به عقابهم على مفارقة دين قومهم وعلى شتم أصنامهم وتسفيه آباءهم .
والأمر في قوله ( فعاقبوا ) للوجوب باعتبار متعلقه وهو قوله ( بمثل ما عوقبتم به ) فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب .
وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم فلعل بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحنق على الإفراط في العقاب . فهي ناظرة إلى قوله ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ) .
ورغبهم في الصبر على الأذى أي بالإعراض عن أذى المشركين وبالعفو عنه لأنه أجلب لقلوب الأعداء فوصف بأنه خير أي خير من الأخذ بالعقوبة كقوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وقوله ( وجزاء سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) .
وضمير الغائب عائد إلى الصبر المأخوذ من فعل ( صبرتم ) كما في قوله تعالى ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
وأكد كون الصبر خيرا " بلام القسم " زيادة في الحث عليه .
وعبر عنهم بالصابرين إظهار في مقام الإضمار لزيادة التنويه بصفة الصابرين أي الصبر خبر لجنس الصابرين .
( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون [ 127 ] ) خص النبي A بالأمر بالصبر للإشارة إلى أن مقامه أعلى فهو بالتزام الصبر أولى أخذا بالعزيمة بعد أن رخص لهم في المعاقبة .
وجملة ( وما صبرك إلا بالله ) معترضة بين المتعاطفات أي وما يحصل صبرك إلا بتوفيق الله إياك . وفي هذا إشارة إلى أن صبر النبي A عظيم لأنه لقي من أذى المشركين أشد مما لقيه عموم المسلمين . فصبره ليس كالمعتاد لذلك كان حصوله بإعانة من الله .
وحذره من الحزن عليهم إن لم يؤمنوا كقوله ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )