عطف على ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) فهو من كلام موسى " عليه السلام " . والتقدير : واذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم لئن شكرتم الخ لأن الجزاء عن شكر النعمة بالزيادة منها نعمة وفضل من الله لأن شكر المنعم واجب فلا يستحق جزاء لولا سعة فضل الله . وأما قوله ( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) فجاءت به المقابلة .
ويجوز أن يعطف ( وإذ تأذن ) على ( نعمة الله عيكم ) فيكون التقدير : واذكروا إذ تأذن ربكم على أن ( إذ ) منصوبة على المفعولية وليست ظرفا وذلك من استعمالاتها . وقد تقدم عند قوله تعالى في سورة الأعراف ( وإذ تأذن ربك ليبعئن عليهم ) وقوله ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) .
ومعنى ( تأذن ربكم ) تكلم كلاما علنا أي كلم موسى " عليه السلام " بما تضمنه هذا الذي في الآية بمسمع من جماعة بني إسرائيل . ولعل هذا الكلام هو الذي في الفقرات 9 ، 20 من الإصحاح 91 من سفر الخروج والفقرات 1 ، 18 ، 22 من الإصحاح 20 منه والفقرات من 20 إلى 30 من الإصحاح 23 منه .
والتأذن مبالغة في الأذان يقال : أذن وتأذن كما يقال : توعد وأوعد وتفضل وأفضل . ففي صيغة تفعل زيادة معنى على صيغة أفعل .
وجملة ( لئن شكرتم ) موطئة للقسم والقسم مستعمل في التأكيد . والشكر مؤذن بالنعمة . فالمراد : شكر نعمة الإنجاء من آل فرعون وغيرها ولذلك حذف مفعول ( شكرتم ) ومفعول ( لأزيدنكم ) ليقدر عاما في الفعلين .
والكفر مراد به كفر النعمة وهو مقابلة المنعم بالعصيان . وأعظم الكفر جحد الخالق أو عبادة غيره معه وهو الإشراك كما أن الشكر مقابلة النعمة بإظهار العبودية والطاعة .
واستغنى ب ( إن عذابي لشديد ) عن ( لأعذبنكم عذابا شديدا ) لكونه أعم وأوجز ولكون إفادة الوعيد بضرب من التعريض أوقع في النفس . والمعنى : إن عذابي لشديد لمن كفر فأنتم إذن منهم .
( وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد [ 8 ] ) أعيد فعل القول في عطف بعض كلام موسى " عليه السلام " على بعض لئلا يتوهم أن هذا مما تأذن به الرب وإنما هو تنبيه على كلام الله . وفي إعادة فعل القول اهتمام بهذه الجملة وتنويه بها حتى تبرز مستقلة وحتى يصغي إليها السامعون للقرآن .
ووجه الاهتمام بها إن أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم وأن أنبياءهم حين يلحون عليهم بالإيمان إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم والحرص على مصلحتهم . فلما وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتقام المثيب بما أثاب عليه ولتضرره مما عاقب عليه فنبههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم فيكسبهم إدلالا بالإيمان والشكر والإقلاع عن الكفر .
و ( أنتم ) فصل بين المعطوف والمعطوف عليه إذ كان هذا المعطوف عليه ضميرا متصلا .
و ( جميعا ) تأكيد لمن في الأرض للتنصيص على العموم . وتقدم نظيره ونصبه غير بعيد .
والغني : الذي لا حاجة له في شيء فدخل في عموم غناه أنه غني عن الذين يكفرون به .
A E والحميد : المحمود . والمعنى : أنه محمود من غيركم مستغن عن حمدكم ؛ على أنهم لو كفروا به لكانوا حامدين بلسان حالهم كرها فإن كل نعمة تنالهم فيحمدونها فإنما يحمدون الله تعالى كقوله تعالى ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) . وهذه الآية تضمنت ما في الفقرات 30 إلى 33 من الإصحاح 32 من سفر الخروج .
( ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب [ 9 ] )