والمشار إليه : الإرسال المأخوذ من فعل ( أرسلناك ) أي مثل الإرسال البين أرسلناك فالمشبه به عين المشبه إشارة إلى أنه لوضوحه لا يبين ما وضح من نفسه . وقد تقدم نظيره في قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) في سورة البقرة .
ولما كان الإرسال قد علق بقوله ( في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) صارت الإشارة أيضا متحملة لمعنى إرسال الرسل من قبله إلى أمم يقتضي مرسلين أي ما كانت رسالتك إلا مثل رسالة الرسل من قبلك كقوله ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) وقوله ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) لإبطال توهم المشركين أن النبي A لما لم يأتهم بما سألوه فهو غير مرسل من الله . وفي هذا الاستدلال تمهيد لقوله ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) الآيات . ولذلك أردفت الجملة بقوله ( لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) .
والأمة : هي أمة الدعوة ( فمنهم من آمن ومنهم من كفر ) .
وتقدم معنى ( قد خلت من قبلها أمم ) في سورة آل عمران عند قوله ( قد خلت من قبلكم سنن ) . ويتضمن قوله ( قد خلت من قبلها أمم ) التعريض بالوعيد بمثل مصير الأمم الخالة التي كذبت رسلها .
وتضمن لام التعليل في قوله ( لتتلو عليهم ) أن الإرسال لأجل الإرشاد والهداية بما أمر الله لا لأجل الانتصاب لخوارق العادات .
والتلاوة : القراءة . فالمقصود لتقرأ عليهم القرآن كقوله ( وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) الآية .
A E وفيه إيماء إلى أن القرآن هو معجزته لأنه ذكره في مقابلة إرسال الرسل الأولين ومقابلة قوله ( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ) . وقد جاء ذلك صريحا في قوله ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) . وقال النبي A " ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي " وجملة ( وهم يكفرون بالرحمن ) عطف على جملة ( وكذلك أرسلناك ) أي أرسلناك بأوضح الهداية وهم مستمرون على الكفر لم تدخل الهداية قلوبهم فالضمير عائد إلى المشركين المفهومين من المقام لا إلى " أمة " لأن الأمة منها مؤمنون .
والتعبير بالمضارع في ( يكفرون ) للدلالة على تجدد ذلك واستمراره ومعنى كفرهم بالله إشراكهم معه غيره في الإلهية فقد أبطلوا حقيقة الإلهية فكفروا به .
واختيار اسم ( الرحمن ) من بين أسمائه تعالى لأن كفرهم بهذا الاسم أشد لأنهم أنكروا أن يكون الله رحمان قال تعالى ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمان ) في سورة الفرقان فأشارت الآية إلى كفرين من كفرهم : جحد الوحدانية وجحد اسم الرحمن ولأن لهذه الصفة مزيد اختصاص بتكذيبهم الرسول " E " وتأييده بالقرآن لأن القرآن هدى ورحمة للناس, وقد أرادوا تعويضه بالخوارق التي لا تكسب هديا بذاتها ولكنها دالة على صدق من جاء بها .
قال مقاتل وابن جريج : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصلح فقال النبي A للكاتب " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل بن عمرو : ما نعرف الرحمان إلا صاحب اليمامة يعني مسيلمة فقال النبي A " اكتب باسمك اللهم " . ويبعده أن السورة مكية كما تقدم .
وعن ابن عباس نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي A " اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمان " فنزلت .
وقد لقن النبي A بإبطال كفرهم المحكي إبطالا جامعا بأن يقول ( هو ربي ) فضمير ( هو ) عائد إلى ( الرحمن ) باعتبار المسمى بهذا الاسم أي المسمى هو ربي وأن الرحمن اسمه .
وقوله ( لا إله إلا هو ) إبطال لإشراكهم معه في الإلهية غيره . وهذا مما أمر الله نبيه أن يقول فهو احتراس لرد قولهم : إن محمدا A يدعوا إلى رب واحد وهو يقول : إن ربه الله وإن ربه الرحمن فكان قوله ( لا إله ألا هو ) إخبار من جانب الله على طريقة الاعتراض .
وجملة ( عليه توكلت وإليه متاب ) هي نتيجة لكون ربا واحد . ولكونها كالنتيجة لذلك فصلت عن التي قبلها لما بينها من الاتصال