والميثاق والعهد مترادفان . والإيفاء ونفي النقض متحدا المعنى . وابتدئ من الصفات بهذه الخصلة لأنها تنبئ عن الإيمان أصل الخيرات وطريقها ولذلك عطف على ( يوفون بعهد الله ) قوله ( ولا ينقضون الميثاق ) تحذيرا من كل ما فيه فقضه .
وهذه الصلات صفات لأولي الألباب فعطفها من باب عطف الصفات للموصوف الاحد وليس من عطف الأصناف . وذلك مثل العطف في قول الشاعر الذي أنشده الفراء في معاني القرآن : .
إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم فالمعنى : الذين يتصفون بمضمون كل صلة من هذه الصلات كلما عرض مقتض لاتصافهم بها بحيث إذا وجد المقتضي ولم يتصفوا بمقتضاه كانوا غير متصفين بتلك الفضائل فمنها ما يستلزم الاتصاف بالضد ومنها ما لا يستلزم إلا التفريط في الفضل .
A E وأعيد اسم الموصول هذا وما عطف عليه من الأسماء الموصولة للدلالة على أن صلاتها خصال عظيمة تقتضي الاهتمام بذكر من اتصف بها ولدفع توهم أن عقبى الدار لا تتحقق لهم إلا إذا جمعوا كل هذه الصفات .
فالمراد ب ( الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) ما يصدق على الفريق الذين يوفون بعهد الله .
ومناسبة عطفه أن وصل ما أمر الله به أن يوصل أثر من آثار الوفاء بعهد الله وهو عهد الطاعة الداخل في قوله ( وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) في سورة يس .
والوصل : ضم شيء لشيء وضده القطع . ويطلق مجازا على القرب وضده الهجر . واشتهر مجازا أيضا في الإحسان والإكرام ومنه قولهم صلة الرحم أي الإحسان لأجل الرحم أي لأجل القرابة الآتية من الأرحام مباشرة أو بواسطة وذلك النسب الجائي من الأمهات . وأطلقت على قرابة النسب من جانب الآباء أيضا لأنها لا تخلو غالبا من اشتراك في الأمهات ولو بعدن .
و ( ما أمر الله به أن يوصل ) عام في جميع الأواصر والعلائق التي أمر الله بالمودة والإحسان لأصحابها فمنها آصرة الإيمان ومنها آصرة القرابة وهي صلة الرحم . وقد اتفق المفسرون على أنها مراد الله هنا وقد تقدم مثله عند قوله تعالى ( وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) في سورة البقرة .
وإنما أطنب في التعبير عنها بطريقة اسم الموصول ( ما أمر الله به أن يوصل ) لما في الصلة من التعريض بان واصلها آت بما يرضي الله لينتقل من ذلك إلى التعريض بالمشركين الذين قطعوا أواصر القرابة بينهم وبين رسول الله A ومن معه من المؤمنين وأساءوا إليهم في كل حال وكتبوا صحيفة القطعية مع بني هاشم .
وفيها الثناء على المؤمنين بأنهم يصلون الأرحام ولم يقطعوا أرحام قومهم المشركين إلا عند ما حاربوهم وناووهم .
وقوله ( أن يوصل ) بدل من ضمير ( به ) أي ما أمر الله يوصله . وجيء بهذا النظم لزيادة تقرير المقصود وهو الأرحام بعد تقريره بالموصولية .
والخشية : خوف بتعظيم المخوف منه . وتقدمت في قوله تعالى ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) في سورة البقرة . وتطلق على مطلق الخوف .
والخوف : ظن وقوع المضرة من شيء . وتقدم في قوله تعالى ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) في سورة البقرة .
و ( سوء الحساب ) ما يحف به مما يسوء المحاسب وقد تقدم آنفا أي يخافون وقوعه عليهم فيتركون العمل السيء .
وجاءت الصلات ( الذين يوفون ) ( والذين يصلون ) وما عطف عليهما بصيغة المضارع في تلك الأفعال الخمسة لإفادة التجدد كناية عن الاستمرار .
وجاءت صلة ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ) وما عطف عليها وهو ( أقاموا الصلاة وأنفقوا ) بصيغة المضي لإفادة تحقق هذه الأفعال الثلاثة لهم وتمكنها من أنفسهم تنويها بها لأنها أصول لفضائل الأعمال .
فأما الصبر فلأنه ملاك استقامة الأعمال ومصدرها فإذا تخلق به المؤمن صدرت عنه الحسنات والفضائل بسهولة ولذلك فان تعالى ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
وأما الصلاة فلأنها عماد الدين وفيها ما في الصبر من الخاصية لقوله تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) وقوله تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة )