وليس تخصيص الرجال وأنهم من أهل القرى لقصد الاحتراز عن النساء ومن أهل البادية ولكنه لبيان المماثلة بين من سلموا برسالتهم وبين محمد A حين قالوا ( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) ( وقالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) . أي فما كان محمد A بدعا من الرسل حتى تبادروا بإنكار رسالته وتعرضوا عن النظر في آياته .
فالقصر إضافي أي لم يكن الرسل " عليهم السلام " قبلك ملائكة أو ملوكا من ملوك المدن الكبيرة فلا دلالة في الآية على نفي إرسال رسول من أهل البادية مثل خالد بن سنان العبسي ويعقوب " عليه السلام " حين كان ساكنا في البدو كما تقدم .
وقرأ الجمهور ( يوحى ) " بتحية وبفتح الحاء " مبنيا للنائب . وقرأه حفص بنون على أنه مبني للفاعل والنون نون العظمة .
وتفريع قوله ( أفلم يسيروا في الأرض ) على ما دلت عليه جملة ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ) من الأسوة أي فكذبهم أقوامهم من قبل قومك مثل ما كذبك قومك وكانت عاقبتهم العقاب أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف مان عاقبة الأقوام السابقين أي فينظروا آثار آخر أحوالهم من الهلاك والعذاب فيعلم قومك أن عاقبتهم على قياس عاقبة الذين كذبوا الرسل قبلهم فضمير ( يسيروا ) عائد على معلوم من المقام الدال عليه ( وما أنا من المشركين ) .
والاستفهام إنكاري فإن مجموع المتحدث عنهم ساروا في الأرض فرأوا عاقبة المكذبين مثل عاد وثمود .
وهذا التفريع اعتراض بالوعيد والتهديد .
و ( كيف ) استفهام معلق لفعل النظر عن مفعوله .
وجملة ( ولدار الآخرة ) خبر معطوفة على الاعتراض فلها حكمه وهو اعتراض بالتبشير وحسن العاقبة للرسل " عليهم السلام " ومن آمن بهم وهم الذين اتقوا وهو تعريض بسلامة عاقبة المتقين في الدنيا وتعريض أيضا بأن دار الآخرة أشد أيضا على الذين من قبلهم من العاقبة التي كانت في الدنيا فحصل إيجاز بحذف جملتين .
وإضافة ( دار ) إلى ( آخرة ) من إضافة الموصوف إلى الصفة مثل " يا نساء المسلمات " في الحديث .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب ( أفلا تعقلون ) بتاء الخطاب على الالتفات لأن المعاندين لما جرى ذكرهم وتكرر صاروا كالحاضرين فالتفت إليهم بالخطاب . وقرأه الباقون بياء الغيبة على نسق ما قبله .
و ( حتى ) من قوله ( حتى إذا استيئس الرسل ) ابتدائية وهي عاطفة جملة ( إذا استيئس الرسل ) على جملة ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم ) باعتبار أنها حجة على المكذبين فتقدير المعنى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فكذبهم المرسل إليهم واستمروا على التكذيب حتى إذا استيئس الرسل إلى آخره فإن ( إذا ) اسم زمان مضمن معنى الشرط فهو يلزم الإضافة إلى جملة تبين الزمان وجملة ( استيئس ) مضاف إليها ( إذا ) وجملة ( جاءهم نصرنا ) جواب ( إذا ) لأن هذا الترتيب في المعنى هو المقصود من جلب ( إذا ) في مثل هذا التركيب . والمراد بالرسل " عليهم السلام " غير المراد ب ( رجالا ) فالتعريف في الرسل " عليهم السلام " تعريف العهد الذكري وهو من الإظهار في مقام الإضمار لإعطاء الكلام استقلالا بالدلالة اهتماما بالجملة .
وآذن حرف الغاية بمعنى محذوف دل عليه جملة ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ) بما قصد بها من معنى قصد الإسوة بسلفه من الرسل " عليهم السلام " . والمعنى : فدام تكذيبهم وإعراضهم وتأخر تحقيق ما أنذروهم به من العذاب حتى اطمأنوا بالسلامة وسخروا بالرسل وأيس الرسل " عليهم السلام " من إيمان قومهم .
و ( استيئس ) مبالغة في يئس كما تقدم آنفا في قوله ( ولا تيأسوا من روح الله ) .
وتقدم أيضا قراءة البزي بخلاف عنه بتقديم الهمزة على الياء . فهذه أربع كلمات في هذه السورة خالف فيها البزي رواية عنه .
A E