وجملة ( ما علمنا عليه من سوء ) مبينة لإجمال النفي الذي في ( حاش لله ) . وهي جامعة لنفي مراودتهن إياه ومراودته إياهن لأن الحالتين من أحوال السوء .
ونفي علمهن ذلك كناية عن نفي دعوتهن إياه إلى السوء ونفي دعوته إياهن إليه لأن ذلك لو وقع لكان معلوما عندهن ثم إنهن لم يزدن في الشهادة على ما يتعلق بسؤال الملك فلم يتعرضن لإقرار امرأة العزيز في مجلسهن بأنها راودته عن نفسه فاستعصم خشية منها أو مودة لها فاقتصرن على جواب ما سئلن عنه .
وهذا يدل على كلام محذوف وهو أن امرأة العزيز كانت من جملة النسوة اللائي أحضرهن الملك . ولم يشملها قول يوسف عليه السلام ( ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) لأنها لم تقطع يدها معهن ولكن شملها كلام الملك إذ قال ( إذ راودتن يوسف عن نفسه ) فإن المراودة إنما وقعت من امرأة العزيز دون النسوة اللاتي أعدت لهن متكئا ففي الكلام إيجاز حذف .
وجملة ( قالت امرأة العزيز ) مفصولة لأنها حكاية جواب عن سؤال الملك .
والآن : ظرف للزمان الحاضر . وقد تقدم عند قوله تعالى ( الآن خفف الله عنكم ) في سورة الأنفال .
وحصحص : ثبت واستقر .
والحق : هو براءة يوسف عليه السلام مما رمته به امرأة العزيز . وإنما ثبت حينئذ لأنه كان محل قيل وقال وشك فزال ذلك باعترافها بما وقع .
والتعبير بالماضي مع أنه لم يثبت إلا من إقرارها الذي لم يسبق لأنه قريب الوقوع فهو لتقريب زمن الحال من المضي .
ويجوز أن يكون المراد ثبوت الحق بقول النسوة ( ما علمنا عليه من سوء ) فيكون الماضي على حقيقته . وتقديم اسم الزمان للدلالة على الاختصاص أي الآن لا قبله لدلالة على أن ما قبل ذلك الزمان كان زمن باطل وهو زمن تهمة يوسف عليه السلام بالمراودة فالقصر قصر تعيين إذ كان الملك لا يدري أي الوقتين وقت الصدق أهو وقت اعتراف النسوة بنزاهة يوسف عليه السلام أم هو وقت رمي امرأة العزيز إياه بالمراودة .
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة ( أنا راودته ) للقصر إبطال أن يكون النسوة راودنه . فهذا إقرار منها على نفسها وشهادة لغيرها بالبراءة وزادت فأكدت صدقه ب ( إن ) واللام .
وصيغة ( من الصادقين ) كما تقدم في نظائرها منها قوله تعالى ( قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ) في سورة الأنعام .
A E ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين [ 52 ] ) ظاهر نظم الكلام أن الجملة من قول امرأة العزيز وعلى ذلك حمله الأقل من المفسرين وعزاه ابن عطية إلى فرقة من أهل التأويل ونسب إلى الجبائي واختاره المارودي وهو في موقع العلة لما تضمنته جملة ( أنا راودته عن نفسه ) وما عطف عليها من إقرار ببراءة يوسف عليه السلام بما كانت رمته به فالإشارة بذلك إلى الإقرار المستفاد من جملة ( أنا راودته ) أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف عليه السلام أني لم أخنه .
واللام في ( ليعلم ) لام كي والفعل بعدها منصوب ب ( أن ) مضمرة فهو في تأويل المصدر وهو خبر عن اسم الإشارة .
والباء في ( بالغيب ) للملابسة أو للظرفية أي في غيبته أي لم أرمه بما يقدح فيه في مغيبه . ومحل المجرور في محل الحال من الضمير المنصوب .
والخيانة : هي تهمته بمحاولة السوء معها كذبا لأن الكذب ضد أمانة القول بالحق .
والتعريف في ( الغيب ) تعريف الجنس . تمدحت بعدم الخيانة على أبلغ وجه إذ نفت الخيانة في المغيب وهو حائل بينه وبين دفاعه عن نفسه وحالة المغيب أمكن لمزيد الخيانة أن يخون فيها من حالة الحضرة لأن الحاضر قد يتفطن لقصد الخائن فيدفع خيانته بالحجة .
و ( أن الله لا يهدي كيد الخائنين ) عطف على ( ليعلم ) وهو علة ثانية لإصداعها بالحق أي ولأن الله لا يهدي كيد الخائنين . والخبر مستعمل في لازم الفائدة وهو كون المتكلم عالما بمضمون الكلام لأن علة إقرارها هو علمها بأن الله لا يهدي كيد الخائنين .
ومعنى ( لا يهدي كيد الخائنين ) لا ينفذه ولا يسدده . فأطلقت الهداية التي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول وأطلق نفيها على نفي ذلك التيسير أي أن سنة الله في الكون جرت على أن فنون الباطل وإن راجت أوائلها لا تلبث أن تنقشع ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) .
والكيد : تقدم