( ثم ) هنا للترتيب الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل فإن ما بدا لهم أعجب بعد ما تحققت براءته . وإنما بدا لهم أن يسجنوا يوسف عليه السلام حين شاعت القالة عن امرأة العزيز في شأنه فكان ذلك عقب انصراف النسوة لأنها خشيت إن هن انصرفن أن تشيع القالة في شأنها وشأن براءة يوسف عليه السلام فرامت أن تغطي ذلك بسجن يوسف عليه السلام حتى يظهر في صورة المجرمين بإرادته السوء بامرأة العزيز وهي ترمي بذلك إلى تطويعه لها . ولعلها أرادت أن توهم الناس بأن مراودته إياها وقعت يوم ذلك المجمع وأن توهم أنهن شواهد على يوسف عليه السلام .
والضمير في ( لهم ) لجماعة العزيز من مشير وآمر .
وجملة ( ليسجننه ) جواب قسم محذوف وهي متعلقة فعل ( بدا ) عن العمل فيما بعده لأجل لام القسم لأن ما بعد لام القسم كلام مستأنف . وفيه دليل للمعمول المحذوف إذ التحقيق أن التعليق لا يختص بأفعال الظن وهو مذهب يونس بن حبيب لأن سبب التعليق وجود أداة لها صدر الكلام . وفي هذه الآية دليله .
والتقدير : بدا لهم ما يدل عليه هذا القسم أي بدا لهم تأكيد أن يسجنوه .
وذكر في المعنى في آخر الجمل التي لها محل من الإعراب : وقوع الخلاف في الفاعل ونائب الفاعل هل يكون جملة ؟ فأجازه هشام وثعلب مطلقا وأجازه الفراء وجماعة إذا كان الفعل قلبيا ووجد معلق وحملوا الآية عليه ونسب إلى سيبويه . وهو يؤول إلى معنى التعليق والتعليق أنسب بالمعنى .
A E والحين : زمن غير محدود فإن كان ( حتى حين ) من كلامهم كان المعنى : أنهم أمروا بسجنه سجنا غير مؤجل المدة . وإن كان من الحكاية كان القرآن قد أبهم المدة التي أذنوا بسجنه إليها إذ لا يتعلق فيها الغرض من القصة .
والآيات : دلائل صدق يوسف عليه السلام وكذب امرأة العزيز .
( ودخل معه السجن فتين قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أرني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين [ 36 ] ) اتفق جميع القراء على كسر سين ( السجن ) هنا بمعنى البيت الذي يسجن فيه لأن الدخول لا يناسب أن يتعلق إلا بالمكان لا بالمصدر .
وهذان الفتيان هما ساقي الملك وخبازه غضب عليهما الملك فأمر بسجنهما . قيل : اتهما بتسميم الملك في الشراب والطعام .
وجملة ( قال أحدهما ) ابتداء محاورة كما دل عليه فعل القول .
وكان تعبير الرؤيا من فنون علمائهم فلذلك أيد الله به يوسف عليه السلام بينهم .
وهذان الفتيان توسما من يوسف عليه السلام كمال العقل والفهم فظنا أنه يحسن تعبير الرؤيا ولم يكونا علما منه ذلك من قبل وقد صادفا الصواب ولذلك قالا ( إنا نراك من المحسنين ) أي المحسنين التعبير أو المحسنين الفهم .
والإحسان : الإتقان يقال : هو لا يحسن القراءة أي لا يتقنها . ومن عادة المساجين حكاية المرائي التي يرونها لفقدانهم الأخبار التي هي وسائل المحادثة والمحاورة ولأنهم يتفاءلون بما عسى أن يبشرهم بالخلاص في المستقبل . وكان علم تعبير الرؤيا من العلوم التي يشتغل بها كهنة المصريين كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن ملك مصر ( أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) كما سيأتي .
والعصر : الضغط باليد أو بحجر أو نحوه على شيء فيه رطوبة لإخراج ما فيه من المائع زيت أو ماء . والعصير : ما يستخرج من المعصور سمي باسم محله أي معصور من كذا .
والخبز : اسم لقطعة من دقيق البر أو الشعير أو نحوهما يعجن بالماء ويوضع قرب النار حتى ينضج ليؤكل ويسمى رغيفا أيضا .
والضمير في ( بتأويله ) للمذكور أو للمرئي باعتبار الجنس .
وجملة ( إنا نراك ) تعليل لانتفاء المستفاد من ( نبئنا )