واستعمل ضمير جمع المذكر للكواكب والشمس والقمر في قوله ( رأيتهم لي ساجدين ) لأن كون ذلك للعقلاء غالب لا مطرد كما قال تعالى في الأصنام ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا ينصرون ) وقال ( يا أيها النمل ادخلوا ) .
وقال جماعة من المفسرين : إنه لما كانت الحالة المرئية من الكواكب والشمس والقمر حالة العقلاء وهي حالة السجود نزلها منزلة العقلاء فأطلق عليها ضمير ( هم ) وصيغة جمعهم .
وتقديم المجرور على عامله في قوله ( لي ساجدين ) للاهتمام عبر به عن معنى تضمنه كلام يوسف عليه السلام بلغته يدل على حالة في الكواكب من التعظيم له تقتضي الاهتمام بذكره فأفاده تقديم المجرور في اللغة العربية .
وابتداء قصة يوسف عليه السلام بذكر رؤياه إشارة إلى أن الله هيأ نفسه للنبوة فابتدأه بالرؤيا الصادقة كما جاء في حديث عائشة " أن أول ما ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح " . وفي ذلك تمهيد للمقصود من القصة وهو تقرير فضل يوسف عليه السلام من طهارة وزكاء نفس وصبر . فذكر هذه الرؤيا في صدر القصة كالمقدمة والتمهيد للقصة المقصودة .
وجعل الله تلك الرؤيا تنبيها ليوسف عليه السلام بعلو شأنه ليتذكرها كلما حلت به ضائقة فتطمئن بها نفسه أن عاقبته طيبة .
وإنما أخبر يوسف عليه السلام أباه بهاته الرؤيا لأنه علم بإلهام أو بتعليم سابق من أبيه أن للرؤيا تعبيرا وعلم أن الكواكب والشمس والقمر كناية عن موجودات شريفة وأن سجود المخلوقات الشريفة له كناية عن عظمة شأنه . ولعله علم أن الكواكب كناية عن موجودات متماثلة وأن الشمس والقمر كناية عن أصلين لتلك الموجودات فاستشعر على الإجمال دلالة رؤياه على رفعة شأنه فأخبر بها أباه .
وكانوا يعدون الرؤيا من طرق الإنباء بالغيب إذا سلمت من الاختلاط وكان مزاج الرائي غير منحرف ولا مضطرب وكان الرائي قد اعتاد وقوع تأويل رؤياه وهو شيء ورثوه من صفاء نفوس أسلافهم إبراهيم وإسحاق عليهم السلام فقد كانوا آل بيت نبوة وصفاء سريرة .
ولما كانت رؤيا الأنبياء وحيا وقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده فلما أخبره ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ) . وإلى ذلك يشير قول أبي يوسف عليه السلام ( ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ) . فلا جرم أن تكون مرائي أبنائهم مكاشفة وحديثا ملكيا .
وفي الحديث : لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " .
والاعتداد بالرؤيا من قديم أمور النبوة . وقد جاء في التوراة أن الله خاطب إبراهيم عليه السلام في رؤيا رآها وهو في طريقه ببلاد شاليم بلد ملكي صادق وبشره بأنه يهبه نسلا كثيرا ويعطيه الأرض التي هو سائر فيها " في الإصحاح 15 من سفر التكوين " .
أما العرب فإنهم وإن لم يرد في كلامهم شيء يفيد اعتدادهم بالأحلام ولعل قول كعب بن زهير : .
" إن الأماني والأحلام تضليل يفيد عدم اعتدادهم بالأحلام فإن الأحلام في البيت هي مرائي النوم .
ولكن ذكر ابن إسحاق رؤيا عبد المطلب وهو قائم في الحجر أنه أتاه آت فأمره بحفر بئر زمزم فوصف له مكانها وكانت جرهم سدموها عند خروجهم من مكة . وذكر ابن إسحاق رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب أن : " راكبا أقبل على بعير فوقف بالأبطح ثم صرخ : يا آل غدر اخرجوا إلى مصارعكم في ثلاث " فكانت وقعة بدر عقبها بثلاث ليال .
A E