وما تخلل ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين كقوله ( عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ) وقوله ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
( ألر ) تقدم الكلام على نظاير ( ألر ) ونحوها في أول سورة البقرة .
( تلك آيات الكتاب المبين [ 1 ] ) الكلام على ( تلك آيات الكتاب ) مضى في سورة يونس . ووصف الكتاب هنا ب ( المبين ) ووصف به في طالعة سورة يونس ب ( الحكيم ) لأن ذكر وصف إبانته هنا أنسب إذ كانت القصة التي تضمنتها هذه السورة مفصلة مبينة لأهم ما جرى في مدة يوسف عليه السلام بمصر . فقصة يوسف عليه السلام لم تكن معروفة للعرب قبل نزول القرآن إجمالا ولا تفصيلا بخلاف قصص الأنبياء : هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام أجمعين إذ كانت معروفة لديهم إجمالا فلذلك كان القرآن مبينا إياها ومفصلا .
ونزولها قبل اختلاط النبي صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة معجزة عظيمة من إعلام الله تعالى إياه بعلوم الأولين وبذلك ساوى الصحابة علماء بني إسرائيل في علم تاريخ الأديان والأنبياء وذلك من أهم ما يعلمه المشرعون .
فالمبين : اسم فاعل من أبان المتعدي . والمراد : الإبانة التامة باللفظ والمعنى .
( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون [ 2 ] ) استئناف يفيد تعليل الإبانة من جهتي لفظه ومعناه فإن كونه قرآنا يدل على إبانة المعاني لأنه ما جعل مقروءا إلا لما في تراكيبه من المعاني المفيدة للقارئ .
وكونه عربيا يفيد إبانة ألفاظه المعاني المقصودة للذين خوطبوا به ابتداء وهم العرب إذ لم يكونوا يتبينون شيئا من الأمم التي حولهم لأن كتبهم كانت باللغات غير العربية .
والتأكيد ب ( إن ) متوجه إلى خبرها وهو فعل ( أنزلناه ) ردا على الذين أنكروا أن يكون منزلا من عند الله .
وضمير ( أنزلناه ) عائد إلى ( الكتاب ) في قوله ( الكتاب المبين ) .
و ( قرآنا ) حال من الهاء في ( أنزلناه ) أي كتابا يقرأ أي منظما على أسلوب معد لأن يقرأ لا كأسلوب الرسائل والخطب أو الأشعار بل هو أسلوب كتاب نافع نفعا مستمرا يقرأه الناس .
و ( عربيا ) صفة ل ( قرآنا ) . فهو كتاب بالعربية ليس كالكتب السالفة فإنه لم يسبقه كتاب بلغة العرب .
وقد أفصح عن التعليل المقصود جملة ( لعلكم تعقلون ) أي رجاء حصول العلم لكم من لفظه ومعناه لأنكم عرب فنزوله بلغتكم مشتملا على ما فيه نفعكم هو سبب لعقلكم ما يحتوي عليه وعبر عن العلم بالعقل للإشارة إلى أن دلالة القرآن على هذا العلم قد بلغت في الوضوح حد أن ينزل من لم يحصل له العلم منها منزلة من لا عقل له وأنهم ما داموا معرضين عنه فهم في عداد غير العقلاء .
وحذف مفعول ( تعقلون ) للإشارة إلى أن إنزاله كذلك هو سبب لحصول تعقل لأشياء كثيرة من العلوم من إعجاز وغيره .
وتقدم وجه وقوع ( لعل ) في كلام الله تعالى . ومحمل الرجاء المفاد بها على ما يؤول إلى التعليل عند قوله تعالى ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ) في سورة البقرة . وفي آيات كثيرة بعدها بما لا التباس بعده .
( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [ 2 ] ) هذه الجملة تتنزل من جملة ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) منزلة بدل الاشتمال لأن أحسن القصص مما يشتمل عليه إنزال القرآن . وكون القصص من عند الله يتنزل منزلة الاشتمال من جملة تأكيد إنزاله من عند الله .
وقوله ( بما أوحينا إليك هذا القرآن ) يتضمن رابطا بين جملة البدل والجملة المبدل منها .
وافتتاح الجملة بضمير العظمة للتنويه بالخبر كما يقول كتاب الديوان : أمير المؤمنين يأمر بكذا .
وتقديم الضمير على الخبر الفعلي يفيد الاختصاص أي نحن نقص لا غيرنا ردا على من يطعن من المشركين في القرآن بقولهم ( إنما يعلمه بشر وقولهم أساطير الأولين اكتتبها ) وقولهم : يعلمه رجل من أهل اليمامة اسمه الرحمان . وقول النضر بن الحارث المتقدم ديباجة تفسير هذه السورة .
وفي هذا الاختصاص توافق بين جملة البدل والجملة المبدل منها في تأكيد كون القرآن من عند الله المفاد بقوله ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) .
A E