والمنضود : الموضوع بعضه على بعض . والمعنى هنا أنها متتابعة متتالية في النزول ليس بينها فترة . والمراد وصف الحجارة بذلك إلا أن الحجارة لما جعلت من سجيل أجري الوصف على سجيل وهو يفضي إلى وصف الحجارة لأنها منه .
A E والمسومة : التي لها سيما وهي العلامة . والعلامات توضع لأغراض منها عدم الاشتباه ومنها سهولة الإحضار وهو هنا مكنى به عن المعدة المهيئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله ( عند ربك ) لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم .
وضمير ( وما هي ) يصلح لأن يعود إلى ما عادت إليه الضمائر المجرورة قبله وهي المدينة فيكون المعنى وما تلك القرية ببعيد عن المشركين أي العرب فمن شاء فليذهب إليها فينظر مصيرها فالمراد البعد المكاني . ويصلح لأن يعود إلى الحجارة أي وما تلك الحجارة ببعيد أي أن الله قادر على أن يرمي المشركين بمثلها . والبعد بمعنى تعذر الحصول ونفيه بإمكان حصوله . وهذا من الكلام الموجه مع صحة المعنيين وهو بعيد .
وجرد ( بعيد ) عن تاء التأنيث مع كونه خبرا عن الحجارة وهي مؤنث لفظا ومع كون ( بعيد ) هنا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول فالشأن أن يطابق موصوفه في تأنيثه ولكن العرب قد يجرون فعيلا الذي بمعنى فاعل مجرى الذي بمعنى مفعول إذا جرى على مؤنث غير حقيقي التأنيث زيادة في التخفيف كقوله تعالى في سورة الأعراف ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) وقوله ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) وقوله ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) . وقيل : إن قوله ( وما كانت أمك بغيا ) من هذا القبيل أي باغية . وقيل : أصله فعول بغوي فوقع إبدال وإدغام . وتأول الزمخشري ما هنا على أنه صفة لمحذوف أي بمكان بعيد أو بشيء بعيد على الاحتمالين في معاد ضمير ( هي ) .
( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط [ 84 ] ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين [ 85 ] بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ [ 86 ] ) قوله ( وإلى مدين أخاهم شعيبا إلى قوله من إله غيره ) نظير قوله ( وإلى ثمود أخاهم صالحا ) الخ .
أمرهم بثلاثة أمور : أحدها : إصلاح الاعتقاد وهو من إصلاح العقول والفكر .
وثالثها : صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض .
ووسط بينهما الثاني : وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي لأن إقدامهم عليه كان فاشيا فيهم حتى نسوا ما فيه من قبح وفساد وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان .
فابتدأ بالأمر بالتوحيد لأنه أصل الصلاح ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم وهي خيانة المكيال والميزان . وقد تقدم ذلك في سورة الأعراف . وهي مفسدة عظيمة لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدر لأن المكتال مسترسل مستسلم . ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيال والميزان فعززه بالأمر بضده وهو إيفاؤهما .
وجملة ( إني أراكم بخير ) تعليل للنهي عن نقص المكيال والميزان . والمقصود من ( إني أراكم بخير ) أنكم بخير . وإنما ذكر رؤيته ذلك لأنها في معنى الشهادة عليهم بنعمة الله عليهم فحق عليهم شكرها . والباء في ( بخير ) للملابسة .
والخير : حسن الحالة . ويطلق على المال كقوله ( إن ترك خيرا ) . والأولى حمله عليه هنا ليكون أدخل في تعليل النهي أي أنكم في غنى عن هذا التطفيف بما أوتيتم من النعمة والثروة . وهذا التعليل يقتضي قبح ما يرتكبونه من التطفيف في نظر أهل المرؤءة ويقطع منهم العذر في ارتكابه . وهذا حث على وسيلة بقاء النعمة .
ثم ارتقى في تعليل النهي بأنه يخاف عليهم عذابا يحل بهم إما يوم القيامة وإما في الدنيا . ولصلوحيته للأمرين أجمله بقوله ( عذاب يوم محيط ) . وهذا تحذير من عواقب كفران النعمة وعصيان واهبها .
و ( محيط ) وصف ل ( يوم ) على وجه المجاز العقلي أي محيط عذابه والقرينة هي إضافة العذاب إليه