( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد [ 79 ] قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد [ 80 ] ) فصلت جملة ( قالوا ) عن التي قبلها لوقوعها موقع المحاورة مع لوط عليه السلام .
A E و ( لقد علمت ) تأكيد لكونه يعلم فأكد بتنزيله منزلة من ينكر أنه يعلم لأن حاله في عرضه بناته عليهم كحال من لا يعلم خلقهم وكذلك التوكيد في ( وإنك لتعلم ما نريد ) وكلا الخبرين مستعمل في لازم فائدة الخبر أي نحن نعلم أنك قد علمت ما لنا رغبة في بناتك وإنك تعلم مرادنا .
ومثله قول حكاية عن قوم إبراهيم ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) .
و ( ما ) الأولى نافية معلقة لفعل العلم عن العمل و ( ما ) الثانية موصولة .
والحق : ما يحق أي يجب لأحد أو عليه فيقال : له حق في كذا إذا كان مستحقا له ويقال : ما له حق في كذا بمعنى لا يستحقه فالظاهر أنه أطلق هنا كناية عن عدم التعلق بالشيء وعن التجافي عنه . وهو إطلاق لم أر مثله وقد تحيز المفسرون في تقريره . والمعنى : ما لنا في بناتك رغبة .
وجوابه ب ( لو أن لي بكم قوة ) جواب يائس من ارعوائهم .
و ( لو ) مستعملة في التمني وهذا أقصى ما أمكنه في تغيير هذا المنكر .
والباء في ( بكم ) للاستعلاء أي عليكم . يقال : ما لي به قوة وما لي به طاقة . ومنه قوله تعالى ( قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت ) .
ويقولون : ما لي بهذا الأمر يدان أي قدرة أو حيلة عليه .
والمعنى : ليت لي قوة أدفعكم بها ويريد بذلك قوة أنصار لأنه كان غريبا بينهم .
ومعنى ( أو آوى إلى ركن شديد ) أو أعتصم بما فيه منعة أي بمكان أو ذي سلطان يمنعني منكم .
والركن : الشق من الجبل المتصل بالأرض .
( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب [ 81 ] ) هذا كلام الملائكة للوط عليه السلام كاشفوه بأنهم ملائكة مرسلون من الله تعالى . وإذ قد كانوا في صورة البشر وكانوا حاضري المجادلة حكى كلامهم بمثل ما تحكى به المحاورات فجاء قولهم بدون حرف العطف على نحو ما حكي قول لوط عليه السلام وقول قومه . وهذا الكلام الذي كلموا به لوطا عليه السلام وحي أوحاه الله إلى لوط عليه السلام بواسطة الملائكة فإنه لما بلغ بلوط توقع أذى ضيفه مبلغ الجزع ونفاد الحيلة جاءه نصر الله على سنة الله تعالى مع رسله ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا .
وابتدأ اللائكة خطابهم لوطا عليه السلام بالتعريف بأنفسهم لتعجيل الطمأنينة إلى نفسه لأنه إذا علم أنهم ملائكة علم أنهم ما نزلوا إلا لإظهار الحق . قال تعالى : ( ما تنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ) . ثم ألحقوا هذا التعريف بالبشارة بقولهم ( لن يصلوا إليك ) . وجيء بحرف تأكيد النفي للدلالة على أنهم خاطبوه بما يزيل الشك من نفسه . وقد صرف الله الكفار عن لوط عليه السلام فرجعوا من حيث أتوا ولو أزال عن الملائكة التشكل بالأجساد البشرية فأخفاهم عن عيون الكفار لحسبوا إن لوطا عليه السلام أخفاهم فكانوا يؤذون لوطا عليه السلام . ولذلك قال له الملائكة ( لن يصلوا إليك ) ولم يقولوا لن ينالوا لأن ذلك معلوم فإنهم لما أعلموا لوطا عليه السلام بأنهم ملائكة ما كان يشك في أن الكفار لا ينالونهم ولكنه يخشى سورتهم أن يتهموه بأنه أخفاهم .
ووقع في التوراة أن الله أعمى أبصار المراودين لوطا عليه السلام عن ضيفه حتى قالوا : إن ضيف لوط سحرة فانصرفوا . وذلك ظاهر قوله تعالى في سورة القمر ( ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ) .
وجملة ( لن يصلوا إليك ) مبينة لإجمال جملة ( إنا رسل ربك ) فلذلك فصلت فلم تعطف لأنها بمنزلة عطف البيان .
وتفريع الأمر بالسرى على جملة ( لن يصلوا إليك ) لما في حرف ( لن ) من ضمان سلامته في المستقبل كله فلما رأى ابتداء سلامته منهم بانصرافهم حسن أن يبين له وجه سلامته في المستقبل منهم باستئصالهم وبنجاته فلذلك موقع فاء التفريع