وارتفاع ( يستخلف ) في قراءة الكافة لأنه معطوف على الجواب مجاز فيه الرفع والجزم . وإنما كان الرفع هنا أرجح لإعطاء الفعل حكم الكلام المستأنف ليكون مقصودا بذاته لا تبعا للجواب فبذلك يكون مقصودا به إخبارهم لإنذارهم بالاستئصال .
وكذلك جملة ( ولا تضرونه شيئا ) والمراد لا تضرون الله بتوليكم شيئا . و ( شيئا ) مصدر مؤكد لفعل ( تضرونه ) المنفي .
وتنكيره للتقليل كما هو شأن تنكير لفظ الشيء غالبا . والمقصود من التأكيد التنصيص على العموم بنفي الضر لأنه نكرة في حيز النفي أي فالله يلحق بكم الاستئصال وهو أعظم الضر ولا تضرونه أقل ضر ؛ فإن المعروف في المقارعات والخصومات أن الغالب المضر بعدوه لا يخلو من أن يلحقه بعض الضر من جراء المقارعة والمحاربة .
وجملة ( إن ربي على كل شيء حفيظ ) تعليل لجملة ( ولا تضرونه شيئا ) فموقع ( إن ) فيها موقع فاء التفريع .
والحفيظ : أصله مبالغة الحافظ وهو الذي يضع المحفوظ في حيث لا يناله أحد غير حافظه وهو هنا كناية عن القدرة والقهر .
( ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ [ 58 ] ) استعمال الماضي في قوله ( جاء أمرنا ) بمعنى اقتراب المجيء لأن الإنجاء كان قبل حلول العذاب .
والأمر أطلق على أثر الأمر وهو ما أمر الله به أمر تكوين أي لما اقترب مجيء أثر أمرنا وهو العذاب أي الربح العظيم .
ومتعلق ( نجينا ) الأول محذوف أي من العذاب الدال عليه قوله ( ولما جاء أمرنا ) . وكيفية إنجاء هود عليه السلام ومن معه تقدم ذكرها في تفسير سورة الأعراف .
والباء في ( برحمة منا ) للسببية فكانت رحمة الله بهم سببا في نجاتهم . والمراد بالرحمة فضل الله عليهم لأنه لو لم يرحمهم لشملهم الاستئصال فكان نقمة للكافرين وبلوى للمؤمنين .
وجملة ( ونجيناهم من عذاب غليظ ) معطوفة على جملة ( ولما جاء أمرنا ) . والتقدير وأيضا نجيناهم من عذاب شديد وهو الإنجاء من عذاب الآخرة وهو العذاب الغليظ . ففي هذا منة ثانية على إنجاء ثان أي نجيناهم من عذاب الدنيا برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ في الآخرة ولذلك عطف فعل ( نجيناهم ) على ( نجينا ) وهذان الإنجاءان يقابلان جمع العذابين لعاد في قوله ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) . وقد ذكر هنا متعلق الإنجاء وحذف السبب عكس ما في الجملة الأولى لظهور أن الإنجاء من عذاب الآخرة كان بسبب الإيمان وطاعة الله كما دل عليه مقابلته بقوله ( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) .
والغليظ حقيقته : الخشن ضد الرقيق وهو مستعار للشديد . واستعمل الماضي في ( ونجيناهم ) في معنى المستقبل لتحقق الوعد بوقوعه .
( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد [ 59 ] وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود [ 60 ] ) الإشارة ب ( تلك ) إلى حاضر في الذهن بسبب ما أجري عليه من الحديث حتى صار كأنه حاضر في الحس والمشاهدة . كقوله تعالى ( تلك القرى نقص عليك من أنبائها ) وكقوله ( أولئك على هدى من ربهم ) وهو أيضا مثله في أن الإتيان به عقب الأخبار الماضية عن المشار إليهم للتنبيه على أنهم جديرون بما يأتي بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل تلك الأوصاف المتقدمة .
وتأنيث اسم الإشارة بتأويل الأمة .
و ( عاد ) بيان من اسم الإشارة .
وجملة ( جحدوا ) خبر عن اسم الإشارة . وهو وما بعده تمهيد للمعطوف وهو ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ) لزيادة تسجيل التمهيد بالأجرام السابقة وهو الذي اقتضاه اسم الإشارة كما تقدم لأن جميع ذلك من أسباب جمع العذابين لهم .
والجحد : الإنكار الشديد مثل إنكار الواقعات والمشاهدات . وهذا يدل على أن هودا أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها . وعدي ( جحدوا ) بالباء مع أنه متعد بنفسه لتأكيد التعدية أو لتضمينه معنى كفروا فيكون بمنزلة ما لو قيل : جحدوا آيات ربهم وكفروا بها كقوله ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ) .
A E