وأن ملاك ضلال الضالين عدم خوفهم عذاب الله في الآخرة فلا شك في أن مشركي العرب صائرون إلى ما صار إليه أولئك .
وانفردت هذه السورة بتفصيل حادث الطوفان وغيضه .
ثم عرض باستئناس النبي A وتسليته باختلاف قوم موسى في الكتاب الذي أوتيه فما على الرسول وأتباعه إلا أن يستقيم فيما أمره الله وأن لا يركنوا إلى المشركين وأن عليهم بالصلاة والصبر والمضي في الدعوة إلى الصلاح فإنه لا هلاك مع الصلاح .
وقد تخلل ذلك عظات وعبر والأمر بإقامة الصلاة .
( ألر ) تقدم القول على الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور في أول سورة البقرة وغيرها من نظرائها وما سورة يونس ببعيد .
( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [ 1 ] ) القول في الافتتاح بقوله ( كتاب ) وتنكيره مماثل لما في قوله ( كتاب أنزل إليك ) في سورة الأعراف .
والمعنى أن القرآن كتاب من عند الله فلماذا يعجب المشركون من ذلك ويكذبون به . ف ( كتاب ) مبتدأ سوغ الابتداء ما فيه من التنكير للنوعية .
و ( من لدن حكيم خبير ) خبر و ( أحكمت آياته ) صفة ل ( كتاب ) ولك أن تجعل ( أحكمت آياته ) صفة مخصصة وهي مسوغ الابتداء . ولك أن تجعل ( أحكمت ) هو الخبر . وتجعل ( من لدن حكيم خبير ) ظرفا لغوا متعلقا ب ( أحكمت ) و ( فصلت ) .
والإحكام : إتقان الصنع مشتق من الحكمة بكسر الحاء وسكون الكاف . وهي إتقان الأشياء بحيث تكون سالمة من الأخلال التي تعرض لنوعها أي جعلت آياته كاملة في نوع الكلام بحث سلمت من مخالفة الواقع ومن أخلال المعنى واللفظ . وتقدم عند قوله تعالى ( منه آيات محكمات ) في أول سورة آل عمران . وبهذا المعنى تنبي بقوله ( من لدن حكيم ) .
وآيات القرآن : الجمل المستقلة بمعانيها المختتمة بفواصل . وقد تقدم وجه تسمية جمل القرآن بالآيات عند قوله تعالى ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) في أوائل سورة البقرة وفي المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير .
والتفصيل : التوضيح والبيان . وهو مشتق من الفصل بمعنى التفريق بين الشيء وغيره بما يميزه فصار كناية مشهورة عن البيان لما فيه من فصل المعاني . وقد تقدم عند قوله تعالى ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) في سورة الأنعام .
ونظيره : الفرق كنى به عن البيان فسمي القرآن فرقانا . وعن الفصل فسمي يوم بدر يوم الفرقان ومنه في ذكر ليلة القدر ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) .
و ( ثم ) للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس لأن العقول ترتاح إلى البيان والإيضاح .
A E و ( من لدن حكيم خبير ) أي من عند الموصوف بإبداع الصنع لحكمته وإيضاح التبيين لقوة علمه . والخبير : العالم بخفايا الأشياء وكلما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعز فالحكيم مقابل ل ( أحكمت ) والخبير مقابل ل ( فصلت ) . وهما وإن كانا متعلق العلم ومتعلق القدرة إذ القدرة لا تجري إلا على وفق العلم إلا أنه روعي في المقابلة الفعل الذي هو أثر إحدى الصفتين أشد تبادرا فيه للناس من الآخر وهذا من بليغ المزاوجة .
( ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير [ 2 ] ) ( أن ) تفسيرية لما في معنى ( أحكمت آياته ثم فصلت ) من الدلالة على أقوال محكمة ومفصلة فكأنه قيل : أوحي إليك في هذا الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله فهذه الجملة تفسيرية لما أحكم من الآيات لأن النهي عن عبادة غير الله وإيجاب عبادة الله هو أصل الدين وإليه مرجع جميع الصفات التي ثبتت لله تعالى بالدليل وهو الذي يتفرع عنه جميع التفاصيل ولذلك تكرر الأمر بالتوحيد والاستدلال عليه في القرآن وأن أول آية نزلت كان فيها الأمر بملابسة اسم الله لأول قراءة القرآن في قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
والخطاب في ( ألا تعبدوا ) وضمائر الخطاب التي بعده موجهة إلى الذين لم يؤمنوا وهم كل من يسمع هذا الكلام المأمور بإبلاغه إليهم .
وجملة ( إنني لكم منه نذير وبشير ) معترضة بين جملة ( ألا تعبدوا إلا الله ) وجملة ( وأن استغفروا ربكم ) الآية وهو اعتراض للتحذير من مخالفة الني والتحريض على امتثاله