و ( على ) للاستعلاء المجازي وهو تمكن الفعل الذي تعلقت به . والمراد بكلمات الله : أمر التكوين وجمعت الكلمات بالنظر إلى أن متعلقها ناس كثيرون فكل واحد منهم تحق عليه كلمة .
وقرأ غير نافع وابن عامر ( كلمة ربك ) على مراعاة الجنس إذ تحق على كل أمة كلمة وهذا الكلام عظة للمشركين . قال غيرهم : وتحذير من أن يكونوا مظهرا لمن حقت عليهم كلمة الشقوة وإنذار بوشك حلول العذاب بهم .
فالموصول على هذا التفسير مراد به معهود والجملة كلها مستأنفة و ( إن ) للتوكيد المقصود به التحقيق أي لا شك أن هؤلاء من أولئك فقد اتضح أمرهم واليأس من إيمانهم .
ويحتمل أن تجعل الجملة في موضع التعليل للقصص السابقة فتكون بمنزلة التذييل والموصول للعموم الجامع جميع الأمم التي هي بمثابة الأمم المتحدث عنهم وتكون ( إن ) لمجرد الاهتمام بالخبر فتفيد التعليل والربط وتغني عن فاء التفريع كالتي في قول بشار : .
" إن ذاك النجاح في التبكير كما تقدم غير مرة ويكون في الآية تعريض آخر بالمشركين .
و ( لو ) وصلية للمبالغة أي لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية فكيف إذا لم تجئهم إلا بعض الآيات .
و ( كل ) مستعملة في معنى الكثرة وهو استعمال كثير في القرآن . كما سيأتي عند قوله تعالى ( وعلى كل ضامر ) في سورة الحج وقوله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) في سورة البقرة أي ولو جاءتهم آيات كثيرة تشبه في الكثرة استغراق جميع الآيات الممكن وقوعها . وقد تقدم نظير ذلك آنفا .
ورؤية العذاب كناية عن حلوله بهم .
والمعنى : أنهم لا يؤمنون إلا حين لا ينفعهم الإيمان لأن نزول العذاب هو ابتداء مجازاتهم على كفرهم وليس بعد الشروع في المجازاة عفو .
ومن بركة هذا الدين أن الذين كفروا به قد هداهم الله قبل أن ينزل بهم عذابا .
( فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) الفاء لتفريع التغليط على امتناع أهل القرى من الإيمان بالرسل قبل أن ينزل بهم العذاب على الإخبار بأن الذين حقت عليهم كلمة الله أن لا يؤمنوا لا يؤمنون حتى يروا العذاب فان أهل القرى من جملة الذين حقت عليهم الكلمة بأن لا يؤمنوا . والغرض من ذكر أهل القرى التعريض بالمقصود وهم أهل مكة فإنهم أهل قرية فكان ذلك كالتخلص بالتعريض إلى المخصوصين به وللإفضاء به إلى ذكر قوم يونس فإنهم أهل قرية .
A E و ( لولا ) حرف يرد لمعان منها التوبيخ وهو هنا مستعمل في لازم التوبيخ كناية عن التغليط لأن أهل القرى قد انقضوا وذلك أن أصل معنى ( لولا ) التحضيض وهو طلب الفعل بحث فإذا دخلت على فعل قد فات وقوعه كانت مستعملة في التغليط والتنديم والتوبيخ على تفويته ويكون ما بعدها في هذا الاستعمال فعل مضي مثل قوله تعالى ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ) . وإذا توجه الكلام الذي فيه ( لولا ) إلى غير صاحب الفعل الذي دخلت عليه كانت مستعملة في التعجيب من حال المتحدث عنه كقوله ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) وقوله ( فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ) وهذه الآية أصرح في ذلك لوجود ( كان ) الدالة على المضي والانقضاء . والمقصود : التعريض بأن مشركي أهل مكة يوشك أن يكونوا على سنن أهل القرى . قال تعالى ( ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون ) ونظير هذه الآية استعمالا ومعنى قوله تعالى ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) وذلك تعريض بتحريض أهل مكة على الإيمان قبل نزول العذاب .
والمستخلص من الروايات الواردة في قوم يونس أنهم بادروا إلى الإيمان بعد أن فارقهم يونس توقعا لنزول العذاب وقبل أن ينزل بهم العذاب وذلك دليل على أن معاملة الله إياهم ليست مخالفة لما عامل به غيرهم من أهل القرى وأن ليست لقوم يونس خصوصية وبذلك لا يكون استثنائهم استثناءا منقطعا