قال في الكشاف " أمروا أن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه علما بأنها أعز نفس عند الله وأكرمها عليه فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهول وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له " اه .
وهذا نهي بليغ وتوبيخ لهم وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية .
والإشارة ب ( ذلك ) إلى نفي كون التخلف عن الرسول ثابتا لهم أي أن ما ينالونه من فضل وثواب وأجر عظيم يقضي بأنه ما يكون لهم أن يتخلفوا عن رسول الله .
والباء في ( بأنهم ) للسببية . والظمأ : العطش والنصب : التعب والمخصمة : الجوع . وتقدم في قوله ( فمن اضطر في مخصمة ) في سورة العقود .
والوطء : الدوس بالأرجل . ولا موطئ : مصدر ميمي للوطء . والوطء في سبيل الله هو الدوس بحوافر الخيل وأخفاف الإبل وأرجل الغزاة في أرض العدو فإنه الذي يغيظ العدو ويغضبه لأنه يأنف من وطء أرضه بالجيش ويجوز أن يكون الوطء هنا مستعارا لإذلال العدو وغلبته وإبادته كقول الحارث بن وعلة الذهلي من شعراء الحماسة : .
ووطئتنا وطئا على حنق ... وطء المقيد نابت الهرم وهو أوفق بإسناد الوطء إليهم .
والنيل : مصدر " ينالون " . يقال : نال منه إذا أصابه برزء . وبذلك لا يقدر له مفعول . وحرف ( من ) مستعمل في التبعيض المجازي المتحقق في الرزية . ورزء العدو يكون من ذوات الأعداء بالأسر ويكون من متاعهم وأموالهم بالسبي والغنم .
والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال . فجملة ( كتب لهم به عمل صالح ) في موضع الحال وأغنى حرف الاستثناء عن اقترانها بقد . والضمير في ( به ) عائد على ( نصب ) وما عطف عليه إما بتأويل المذكور وإما لأن إعادة حرف النفي جعلت كل معطوف كالمستقل بالذكر فأعيد الضمير على كل واحد على البدل كما يعاد الضمير مفردا على المتعاطفات ب ( أو ) باعتبار أن ذلك المتعدد لا يكون في نفس الأمر إلا واحدا منه . ومعنى ( كتب لهم به عمل صالح ) أن يكتب لهم بكل شيء من أنواع تلك الأعمال عمل صالح أي جعل الله كل عمل من تلك الأعمال عملا صالحا وإن لم يقصد به عاملوه تقربا إلى الله فإن تلك الأعمال تصدر عن أصحابها وهم ذاهلون في غالب الأزمان أو جميعها عن الغاية منها فليست لهم نيات بالتقرب بها إلى الله ولكن الله تعالى بفضله جعلها لهم قربات باعتبار شرف الغاية منها . وذلك بأن جعل لهم عليها ثوابا كما جعل للأعمال المقصود بها القربة كما ورد أن نوم الصائم عبادة .
وقد دل على هذا المعنى التذييل الذي أفاد التعليل بقوله ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
ودل هذا التذييل على أنهم كانوا بتلك الأعمال محسنين فدخلوا في عموم قضية ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) بوجه الإيجاز .
( ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) عطف على جملة ( لا يصيبهم ظمأ ) وهو انتقال من عداد الكلف التي تصدر عنهم بلا قصد في سبيل الله إلى بعض الكلف التي لا تخلو عن استشعار من تحل بهم بأنهم لقوها في سبيل الله فالنفقة في سبيل الله لا تكون إلا عن قصد يتذكر به المنفق أنه يسعى إلى ما هو وسيلة لنصر الدين والنفقة الكبيرة أدخل في القصد فلذلك نبه عليهما وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة لأن العلة في الكبيرة أظهر وكان هذا الإطناب في عد مناقبهم في الغزو لتصوير ما بذلوه في سبيل الله .
وقطع الوادي : هو اجتيازه . وحقيقة القطع : تفريق أجزاء الجسم . وأطلق على الاجتياز على وجه الاستعارة .
والوادي : المنفرج يكون بين جبال أو إكام فيكون منفذا لسيول المياه ولذلك اشتق من ودي بمعنى سال . وقطع الوادي أثناء السير من شأنه أن يتذكر السائرون بسببه أنهم سائرون إلى غرض ما لأنه يجدد حالة في السير لم تكن من قبل . ومن أجل ذلك ندب الحجيج إلى تجديد التلبية عندما يصعدون شرفا أو ينزلون واديا أو يلاقون رفاقا .
والضمير في ( كتب ) عائد إلى ( عمل صالح ) . ولام التعليل متعلقة ب ( كتب ) أي كتب الله لهم صالحا ليجزيهم عن أحسن أعمالهم .
ولما كان هذا جزاء عن عملهم المذكور علم أن عملهم هذا من أحسن أعمالهم .
A E