معطوفة على جملة ( ما كان للنبي ) الخ . وهي من تمام الآية باعتبار ما فيها من قوله ( ولو كانوا أولي قربى ) إذ كان شأن ما لا ينبغي لنبينا محمد E أن لا ينبغي لغيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام لأن معظم أحكامهم متحدة إلا ما خص به نبينا من زيادة الفضل . وهذه من مسألة " أن شرع من قبلنا شرع لنا " فلا جرم كان ما ورد من استغفار إبراهيم قد يثير تعارضا بين الآيتين فلذلك تصدى القرآن للجواب عنه . وقد تقدم آنفا ما روي أن هذه سبب نزول الآية .
والموعدة : اسم للوعد . والوعد صدر من أبي إبراهيم لا محالة كما يدل عليه الاعتذار لإبراهيم لأنه لو كان إبراهيم هو الذي وعد أباه بالاستغفار وكان استغفاره له للوفاء بوعده لكان يتجه من السؤال على الوعد بذلك وعلى الوفاء به ما اتجه على وقوع الاستغفار له . فالتفسير الصحيح أن أبا إبراهيم وعد إبراهيم بالإيمان فكان بمنزلة المؤلفة قلوبهم بالاستغفار له لأنه ظنه مترددا في عبادة الأصنام لما قال له ( واهجرني مليا ) فسأل الله له المغفرة لعله يرفض عبادة الأصنام كما يدل عليه قوله ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) .
وطريق تبين أنه عدو لله إما الوحي بأن نهاه الله عن الاستغفار له وإما بعد أن مات على الشرك .
والتبرؤ : تفعل من بريء من كذا إذا تنزه عنه فالتبرؤ مبالغة في البراءة .
وجملة ( إن إبراهيم لأواه حليم ) استئناف ثناء على إبراهيم . و ( أواه ) فسر بمعان ترجع إلى الشفقة إما على النفس فتفيد الضراعة إلى الله والاستغفار وإما على الناس فتفيد الرحمة بهم والدعاء لهم .
ولفظ ( أواه ) مثال مبالغة : الذي يكثر قول أوه بلغاته الثلاث عشرة التي عدها في القاموس وأشهرها أوه بفتح الهمزة وواو مفتوحة مشددة وهاء ساكنة . قال المرادي في شرح التسهيل : وهذه أشهر لغاتها . وهي اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع لإنشاء التوجع لكن الوصف ب ( أواه ) كناية عن الرأفة ورقة القلب والتضرع حين يوصف به من ليس به وجع . والفعل المشتق منه ( أواه ) حقه أن يكون ثلاثيا لأن أمثلة المبالغة تصاغ من الثلاثي . وقد اختلف في استعمال فعل ثلاثي له فأثبته قطرب وأنكره عليه غيره من النحاة .
وإتباع ( لأواه ) بوصف ( حليم ) هنا وفي آيات كثيرة قرينة على الكناية وإيذان بمثار التأوه عنده .
والحليم : صاحب الحلم . والحلم بكسر الحاء : صفة في النفس وهي رجاحة العقل وثباتة ورصانة وتباعد عن العدوان . فهو صفة تقتضي هذه الامور ويجمعها عدم القسوة . ولا تنافي الانتصار للحق لكن بدون تجاوز للقدر المشروع في الشرائع أو عند ذوي العقول .
قال : .
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم ) عطف على جملة ( وما كان استغفار إبراهيم ) لاعتذار عن النبي وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام في استغفارهما لمن استغفرا لهما من أولي القربى كأبي طالب وآزر ومن الأمة كعبد الله بن أبي بن سلول بأن فعلهما ذلك ما كان إلا رجاء منهما هدى من استغفرا له وإعانة له إن كان الله يريده فلما تبين لهما الثابت على كفره إما بموته عليه أو باليأس من إيمانه تركا الاستغفار له وذلك كله بعد أن أبلغا الرسالة ونصحا لمن استغفرا له . ولأجل هذا المعنى مهد الله لهما الاعتذار من قبل بقوله ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وقوله فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) . وفي ذلك معذرة للمؤمنين المستغفرين للمشركين من أولى قرابتهم قبل هذا النهي . فهذا من باب " عفا الله عنك لم أذنت لهم " .
وفيه تسجيل أيضا لكون أولئك المشركين أحرياء بقطع الاستغفار لهم لأن أنبياء الله ما قطعوه عنهم الأبعد أن أمهاوهم ووعدوهم وبينوا لهم وأعانوهم بالدعاء لهم فما زادهم ذلك إلا طغيانا .
A E