والتعذيب مفيد عدم قبول توبتهم حينئذ لأن التعذيب لا يكون إلا عن ذنب كبير . وذنبهم هو التخلف عن النفير العام كما تقدم عند قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) الآية . وقبول التوبة عما مضى فضل من الله .
و ( إما ) حرف يدل على أحد شيئين أو أشياء . ومعناها قريب من معنى ( أو ) التي للتخيير إلا أن ( إما ) تدخل على كلا الاسمين المخير بين مدلوليهما وتحتاج إلى أن تتلى بالواو و ( أو ) لا تدخلا إلا على ثاني الاسمين . وكان التساوي بين الأمرين مع ( إما ) أظهر منه مع ( أو ) لأن ( أو ) تشعر بأن الاسم المعطوف عليه مقصود ابتداء . وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ) في سورة الأعراف .
و ( يعذبهم ويتوب عليهم ) فعلان في معنى المصدر حذفت ( أن ) المصدرية منهما فارتفعا كارتفاع قولهم ( تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ) لأن موقع ما بعد ( إما ) للاسم نحو ( إما العذاب وإما الساعة ) و ( إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) .
وجملة ( والله عليم حكيم ) تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين محكم تقديره حين تتعلق به إرادته .
( الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) هذا كلام على فريق آخر من المؤاخذين بأعمال عملوها غضب الله عليهم من أجلها وهم فريق من المنافقين بنوا مسجدا حول قباء لغرض سيء لينصرف إخوانهم عن مسجد المؤمنين وينفردوا معهم بمسجد يخصهم . فالجملة مستأنفة ابتدائية على قراءة من قرأها غير مفتتحة بواو العطف وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر . ونكتة الاستئناف هنا التنبيه على الاختلاف بين حال المراد بها وبين حال المراد بالجملة التي قبلها وهم المرجون لأمر الله . وقرأها البقية بواو العطف في أولها فتكون معطوفة على التي قبلها لأنها مثلها في ذكر فريق آخر مثل من ذكر فيما قبلها .
وعلى كلتا القراءتين فالكلام جملة أثر جملة وليس ما بعد الواو عطف مفرد .
وقوله ( الذين ) مبتدأ وخبره جملة ( لا تقم فيه أبدا ) كما قاله الكسائي . والرابط هو الضمير المجرور من قوله ( لا تقم فيه ) لأن ذلك الضمير عائد إلى المسجد وهو مفعول صلة الموصول فهو سببي للمبتدأ إذ التقدير : لا تقم في مسجد اتخذوه ضرارا أو في مسجدهم كما قدره الكسائي . ومن أعربوا ( أفمن أسس بنيانه ) خبرا فقد بعدوا عن المعنى .
A E