الأظهر أن هذه جملة معترضة بين جملة ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) وجملة ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا ) : الآية والواو اعتراضية للتنويه بالمهاجرين والأنصار وبيان جزائهم وثوابهم بعد بيان أحكام ولاية بعضهم لبعض بقوله ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله إلى قوله أولئك بعضهم أولياء بعض ) فليست هذه تكرير للأولى وإن تشابهت ألفاظها : فالأولى لبيان ولاية بعضهم لبعض وهذه واردة للثناء عليهم والشهادة لهم بصدق الإيمان مع وعدهم بالجزاء .
وجيء باسم الإشارة في قوله ( أولئك هم المؤمنون ) لمثل الغرض الذي جيء به لأجله في قوله ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) كما تقدم .
وهذه الصيغة صيغة قصر أي قصر الإيمان عليهم دون غيرهم ممن لم يهاجروا والقصر هنا مقيد بالحال في قوله ( حقا ) . فقوله ( حقا ) حال من ( المؤمنون ) وهو مصدر جعل من صفتهم فالمعنى : أنهم حاقون أي محققون لإيمانهم بأن عضدوه بالهجرة من دار الكفر وليس الحق هنا بمعنى المقابل للباطل حتى يكون إيمان غيرهم ممن لم يهاجروا باطلا لأن قرينة قوله ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ) مانعة من ذلك إذ قد أثبت لهم الإيمان ونفي عنهم استحقاق ولاية المؤمنين .
والرزق الكريم هو الذي لا يخالط النفع به ضر ولا نكد فهو نفع محض لا كدر فيه .
( والذين أمنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم ) بعد أن منع الله ولاية المسلمين للذين آمنوا ولم يهاجروا بالصراحة ابتداء ونفي عن الذين لم يهاجروا تحقيق الإيمان وكان ذلك مثيرا في نفوس السامعين أن يتساءلوا هل لأولئك تمكن من تدارك أمرهم برأب هذه الثلمة عنهم ففتح الله باب التدارك بهذه الآية . ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) .
فكانت هذه الآية بيانا وكان مقتضى الظاهر أن تكون مفصولة غير معطوفة ولكن عدل عن الفصل إلى العطف تغليبا لمقام التقسيم الذي استوعبته هذه الآيات .
ودخول الفاء على الخبر وهو ( فأولئك منكم ) لتضمين الموصول معنى الشرط من جهة أنه جاء كالجواب عن سؤال السائل فكأنه قيل : وأما الذين آمنوا من بعد وهاجروا الخ أي : مهما يكن من حال الذين آمنوا ولم يهاجروا ومن حال الذين آمنوا وهاجروا والذين آووا ونصروا ف ( الذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) وبذلك صار فعل ( آمنوا ) تمهيدا لما بعده من ( هاجروا وجاهدوا ) لأن قوله ( من بعد ) قرينة على أن المراد : إذا حصل منهم ما لم يكن حاصلا في وقت نزول الآيات السابقة ليكون أصحاب هذه الصلة قسما مغايرا للأقسام السابقة . فليس المعنى أنهم آمنوا من بعد نزول هذه الآية لأن الذين لم يكونوا مؤمنين ثم يؤمنون من بعد لا حاجة إلى بيان حكم الاعتداد بإيمانهم فإن من المعلوم أن الإسلام يجب ما قبله وإنما المقصود : بيان أنهم إن تداركوا أمرهم بأن هاجروا قبلوا وصاروا من المؤمنين المهاجرين فيتعين أن المضاف إليه المحذوف الذي يشير إليه بناء ( بعد ) على الضم أن تقديره : من بعد ما قلناه في الآيات السابقة وإلا صار هذا الكلام إعادة لبعض ما تقدم وبذلك تسقط الاحتمالات التي تردد فيها بعض المفسرين في تقدير ما أضيف إليه ( بعد ) .
وفي قوله ( معكم ) إيذان بأنهم دون المخاطبين الذين لم يستقروا بدار الكفر بعد أن هاجر منها المؤمنون وأنهم فرطوا في الجهاد مدة .
والإتيان باسم الإشارة للذين آمنوا من بعد وهاجروا دون الضمير للاعتناء بالخبر وتمييزهم بذلك الحكم .
و ( من ) في قوله ( منكم ) تبعيضية ويعتبر الضمير المجرور بمن جماعة المهاجرين أي فقد صاروا منكم أي من جماعتكم وبذلك يعلم أن ولايتهم للمسلمين .
( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله إن الله بكل شيء عليم ) قال جمهور المفسرين قوله ( فأولئك منكم ) أي مثلكم في النصر والموالاة قال مالك : إن الآية ليست في المواريث وقال أبو بكر بن العربي : قوله ( فأولئك منكم ) يعني في الموالاة والميراث على اختلاف الأقوال أي اختلاف القائلين في أن المهاجر يرث الأنصاري والعكس وهو قوله فرقة . وقالوا : إنها نسخت بآية المواريث .
A E