وذكر الأيدي استعارة مكنية بتشبيه الأعمال التي اقترفوها وهي ما صدق ( ما قدمت ) بما يجتنيه المجتني من الثمر أو يقبضه البائع من الأثمان تشبيه المعقول بالمحسوس وذكر رديف المشبه وهو الأيدي التي هي آلة الاكتساب أي : بما قدمته أيديكم لكم .
A E وقوله ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) عطف على ( بما قدمت أيديكم ) والتقدير : وبأن الله ليس بظلام للعبيد وهذا علة ثانية لإيقاع تلك العقوبة عليهم فالعلة الأولى المفادة من باء السببية تعليل لإيقاع العقاب . والعلة الثانية المفادة من العطف على الباء ومجرورها تعليل لصفة العذاب أي هو عذاب معادل لأعمالهم فمورد العلتين شيء واحد لكن باختلاف الاعتبار .
ونفي الظلم عن الله تعالى كناية عن عدله وأن الجزاء الأليم كان كفاء للعمل المجازي عنه دون إفراط .
وجعل صاحب الكشاف التعليلين لشيء واحد وهو ذلك العذاب فجعلهما سببين لكفرهم ومعاصيهم وأن التعذيب من العدل مثل الإثابة وهو بعيد لأن ترك الله المؤاخذة على الاعتداء على حقوقه إذا شاء ذلك ليس بظلم والموضوع هو العقاب على الإشراك والفواحش وأما الاعتداء على حقوق الناس فترك المؤاخذة به على تسليم أنه ليس بعدل وقد يعوض المعتدي عليه بترضية من الله فلذلك كان ما في الكشاف غير خال عن تعسف حمله عليه الإسراع لنصرة مذهب الاعتزال من استحالة العفو عن العصاة لأنه مناف للعدل أو للحكمة .
ونفي ظلام بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي : لأن الصيغ لا مفاهيم لها وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأن المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيرا في مثل هذا ويزاد هنا الجواب باحتمال أن الكثرة باعتبار تعلق الظلم المنفي لو قدر ثبوته بالعبيد الكثيرين فعبر بالمبالغة عن كثرة إعداد الظلم باعتبار تعدد أفراد معموله .
والتعريف باللام في " العبيد " عوض عن المضاف إليه أي : لعبيده كقوله ( فإن الجنة هي المأوى ) ويجوز أن يكون " العبيد " أطلق على ما يرادف الناس كما أطلق العباد في قوله تعالى ( يا حسرة على العباد ) في سورة يس .
( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ) ( كدأب ) خبر مبتدأ محذوف وهو حذف تابع للاستعمال في مثله : فإن العرب إذا تحدثوا عن شيء ثم أتوا بخبر دون مبتدإ علم أن المبتدأ محذوف فقدر بما يدل عليه الكلام السابق .
فالتقدير هنا : دأبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم أي من الأمم المكذبين برسل ربهم مثل عاد وثمود .
والدأب : العادة والسيرة المألوفة وقد تقدم مثله في سورة آل عمران . وتقدم وجه تخصيص آل فرعون بالذكر . ولا فرق بين الآيتين إلا اختلاف العبارة ففي سورة آل عمران ( كذبوا بآياتنا ) وهنا ( كفروا بآيات الله ) وهنالك ( والله شديد العقاب ) وهنا ( إن الله قوي شديد العقاب ) 0 فأما المخالفة بين ( كذبوا ) و ( كفروا ) فلأن قوم فرعون والذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله وتكذيب رسله وفي جحد دلالة الآيات على الوحدانية وعلى صدق الرسول A فذكروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبر بالكفر بالآيات الدالة على وحدانية الله تعالى لأن الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى . وقد عقبت هذه الآية بالتي بعدها فذكر في التي بعدها التكذيب بالآيات أي التكذيب بآيات صدق الرسول E وجحد الآيات الدالة على صدقه . فأما في سورة آل عمران فقد ذكر تكذيبهم بالآيات أي الدالة على صدق الرسول A لأن التكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبر لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن وتصديق من صدق به وإلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه فعبر عن الذين شابهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التكذيب .
فأما الإظهار هنا في مقام الإضمار فاقتضاه أن الكفر كفر بما يرجع إلى صفات الله فأضيفت الآيات إلى اسم الجلالة ليدل على الذات بعنوان الإله الحق وهو الوحدانية وأما الإضمار في آل عمران فلكون التكذيب تكذيبا لآيات دالة على ثبوت رسالة محمد A فأضيفت الآيات إلى الضمير على الأصل في التكلم .
A E