ودلالة المضارع على الاستمرار والتكرر دلالة ناشئة عن معنى التجدد الذي في أصل المسند الفعلي وهي دلالة من مستتبعات التركيب بحسب القرائن المعينة لها ولا توصف بحقيقة ولا مجاز لذلك ومعنى تجدد مخلوقيتهم : هو أن الضمير صادق بأمة وجماعة فالمخلوقية لا تفارقهم لأنها تتجدد آنا فآنا بازدياد المواليد وتغير أحوال المواجيد كما قال تعالى ( خلقا من بعد خلق ) فتكون جملة ( وهم يخلقون ) حالا من ضمير ( أيشركون ) .
والمفسرون أعادوا ضمير ( هم يخلقون ) على ( مالا يخلق ) أي الأصنام ولم يبينوا معنى كون الأصنام مخلوقة وهي صور نحتها الناس وليست صورها مخلوقة لله فيتعين أن المراد أن مادتها مخلوقة وهي الحجارة .
وجعلوا إجراء ضمائر العقلاء في قوله ( وهم وقوله يخلقون ) وما بعده على الأصنام وهي جمادات لأنهم نزلوا منزلة العقلاء بناء على اعتقاد المحجوجين فيهم ولا يظهر على لهذا التقدير وجه الإتيان بفعل يخلقون بصيغة المضارع لأن هذا الخلق غير متجدد .
والضمير المجرور باللام في ( لهم نصرا ) عائد إلى المشركين لأن المجرور باللام بعد فعل الاستطاعة ونحوه هو الذي لأجله يقع الفعل مثل ( لا يملكون لكم رزقا ) .
وجملة ( ولا يستطيعون لهم نصرا ) عطف على جملة ( مالا يخلق شيئا ) فتكون صلة ثانية .
والقول في الفعلين من ( لا يستطيعون ولا أنفسهم ينصرون ) كالقول في ( مالا يخلق شيئا ) .
وتقديم المفعول في ( ولا أنفسهم ينصرون ) للاهتمام بنفي هذا النصر عنهم لأنه أدل على عجز تلك الآلهة لان من يقصر في نصر غيره لا يقصر في نصر نفسه لو قدر .
والمعنى : أن الأصنام لا ينصرون من يعبدونهم إذا احتاجوا لنصرهم ولا ينصرون أنفسهم أن رام أحد الاعتداء عليها .
والظاهر أن تخصيص النصر من بين الأعمال التي يتخيلون أن تقوم بها الأصنام مقصود منه تنبيه المشركين على انتفاء مقدرة الأصنام على نفعهم إذ كان النصر أشد مرغوب لهم لأن العرب كانوا أهل غارات وقتال وترات فالانتصار من أهم الأمور لديهم قال تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم ) وقال تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ) قال أبو سفيان يوم أحد " أعل هبل وقال أيضا لنا العزى ولا عزى لكم " وأن الله أعلم المسلمين بذلك تعريضا بالبشارة بأن المشركين سيغلبون قال ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جنهم وبئس المهاد ) وأنهم سيمحقون الأصنام ولا يستطيع أحد الذب عنها .
( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتهم أم أنتم صامتون [ 193 ] ) يجوز أن يكون عطفا على جملة ( أيشركون ما لا يخلق شيئا ) زيادة في التعجيب من حال المشركين بذكر تصميمهم على الشرك على ما فيه من سخافة العقول ووهن الدليل بعد ذكر ما هو كاف لتزييفه .
فضمير الخطاب المرفوع في ( وإن تدعوهم ) موجه إلى المسلمين مع الرسول A وضمير جمع الغائب المنصوب عائد إلى المشركين كما عاد ضمير ( أيشركون ) فبعد أن عجب الله المسلمين من حال أهل الشرك أنبأهم بأنهم لا يقبلون الدعوة إلى الهدى .
ومعنى ذلك انه بالنظر إلى الغالب منهم وإلا فقد آمن بعضهم بعد حين وتلاحقوا بالإيمان عدا من ماتوا على الشرك .
وهذا الوجه هو الأليق بقوله تعالى بعد ذلك ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ) الآية ليكون المخبر عنهم في هذه الآية غير المخبر عنهم في الآية الآتية لظهر تفاوت الموقع بين ( لا يتبعوكم ) وبين ( لا يسمعوا ) .
ويجوز أن تكون جملة ( وإن تدعوهم إلى الهدى ) إلخ معطوفة على جملة الصلة في قوله ( لا يخلق شيئا وهم يخلقون ) فيكون ضمير الخطاب في ( تدعوهم ) خطابا للمشركين الذين كان الحديث عنهم بضمائر الغيبة من قوله ( فتعالى الله عما يشركون ) إلى هنا فمقتضى الظاهر أن يقال : وإن يدعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم فيكون العدول عن طريق الغيبه إلى طريق الخطاب التفاتا من الغيبة إلى الخطاب توجها إليهم بالخطاب لأن الخطاب أوقع في الدمغ بالحجة .
و ( الهدى ) على هذا الوجه ما يهتدى إليه والمقصود من ذكره أنهم لا يستجيبون إذا دعوتموهم إلى ما فيه خيرهم فيعلم أنهم لو دعوهم إلى غير ذلك لكان عدم اتباعهم دعوتهم أولى .
A E