وجملة ( لا تأتيكم إلا بغتة ) مستأنفة جاءت تكملة للإخبار عن وقت حلول الساعة لأن الإتيان بغتة يحقق مضمون الإخبار عن وقتها بأنه غير معلوم إلا لله وبأن الله غير مظهره لأحد فدل قوله ( لا تأتيكم إلا بغتة ) على أن انتفاء إظهار وقتها انتفاء متوغل في نوعه بحيث لا يحصل العلم لأحد بحلولها بالكنه ولا بالإجمال وأما ما ذكر لها من أمارات في حديث سؤال جبريل عن أماراتها فلا ينافي إتيانها بغتة لأن تلك الأمارات ممتدة الأزمان بحيث لا يحصل معها تهيؤ للعلم بحلولها .
و ( البغتة ) مصدر على زنة المرة من البغت وهو المفاجأة أي الحصول بدون تهيؤ له وقد مضى القول فيها عند قوله تعالى ( حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة ) في سورة الأنعام .
وجملة ( يسألونك كأنك حفي عنها ) مؤكدة لجملة ( يسألونك عن الساعة ) ومبينة لكيفية سؤالهم فلذينك فصلت .
وحذف متعلق السؤال لعلمه من الجملة الأولى .
و ( حفي ) فعيل فيجوز أن يكون بمعنى فاعل مشتقا من حفي به مثل غني فهو غني إذا أكثر السؤال عن حاله تلطفا ويكون المعنى كأنك اكثرت السؤال عن وقتها حتى علمته فيكون وصف حفي كناية عن العالم بالشيء لأن كثرة السؤال تقتضي حصول العلم بالمسؤول عنه وبهذا المعنى فسر في الكشاف فهو من الكناية بالسؤال عن طلب العلم لأن السؤال سبب العلم كقول السموأل أو عبد الملك ابن عبد الرحيم الحارثي أو غيرهما .
سلي أن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول وقول عامر بن الطفيل .
طلقت أن لم تسألي أي فارس ... حليلك إذ لاقى صداء وخثعها وقول أنيف من زبان النبهاني .
فلما التقينا بين السيف بيننا ... لسائلة عنا حفي سؤالها ويجوز أن يكون مشتقا من أحفاه إذا ألح عليه في فعل فيكون فعيلا بمعنى مفعل مثل حكيم أي كانك ملح في السؤال عنها أي ملح على الله في سؤال تعيين وقت الساعة كقوله تعالى ( إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ) .
وقوله ( كأنك حفي ) حال من ضمير المخاطب في قوله ( يسألونك ) معترضة بين ( يسألونك ) ومتعلقه .
ويتعلق قوله ( عنها ) على الوجهين بكل من ( يسألونك ) و ( حفي ) على نحو من التنازع في التعليق .
ويجوز أن يكون ( حفي ) مشتقا من حفي به كرضي بمعنى بالغ في الإكرام فيكون مستعملا في صريح معناه والتقدير كأنك حفي بهم أي مكرم لهم وملاطف فيكون تهكما بالمشركين أي يظهرون لك أنك كذلك ليستنزلوك للخوض معهم في تعيين وقت الساعة روي عن ابن عباس : كأنك صديق لهم وقال قتادة : قالت قريش لمحمد : أن بيننا قرابة فأسر إلينا متى الساعة فقال الله تعالى ( يسألونك كأنك حفي عنها ) وعلى هذا الوجه يتعلق ( عنها ) ب ( يسألونك ) وحذف متعلق ( حفي ) لظهوره .
وبهذا تعلم أن تأخير ( عنها ) للإيفاء بهذه الاعتبارات .
وفي الآية إشارة إلى أن الرسول A لا تتعلق همته بتعيين وقت الساعة إذ لا فائدة له في ذلك ولأنه لو اهتم بذلك لكان في اهتماه تطلبا لإبطال الحكمة في اخفائها وفي هذا إشارة إلى أن انتفاء علمه بوقتها لا ينافي كرامته على الله تعالى بأن الله أعطاه كمالا نفسيا يصرفه عن تطلب ذلك ولو تطلبه لأعلمه الله به كما صرف موسى عليه السلام عن الاستمرار على كراهية الموت حين حل أجله كيلا ينزع روحه وهو كاره وهذه سرائر عالية بين الله وبين الصالحين من عباده .
A E