وقد دلت الآية على أن كل ما دل على صفة لله تعالى وشأن من شؤونه على وجه التقريب للأفهام بحسب المعتاد يسوغ أن يطلق منه اسم لله تعالى ما لم يكن مجيئه على وجه المجاز نحو ( الله يستهزئ بهم ) أو يوهم معنى نقص في متعارف الناس نحو الماكر من قوله ( والله خير الماكرين ) .
وليست أسماء الله الحسنى منحصرة في التسعة والتسعين الواردة في الحديث الصحيح عن الأعرج وعن أبي رافع وعن همام بن منبه عن أبي هريرة : أن رسول الله A قال " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " لأن الحديث الصحيح ليس فيه ما يقتضي حصر الأسماء في ذلك العدد ولكن تلك الأسماء ذات العدد لها تلك المزية وقد ثبت أن النبي A دعا فقال يا حنان يا منان ولم يقع هذان الاسمان فيما روي من التسعة والتسعين وليس في الحديث المروي بأسانيد صحية مشهورة تعيين الأسماء التسعة والتسعين ووقع في جامع الترمذي من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الأعرج عن أبي هريرة بعد قوله " دخل الجنة " هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمان الرحيم إلى آخرها فعين صفات لله تعالى تسعا وتسعين وهي المشهورة بين الذين تصدوا لبيانها قال الترمذي " هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل الحديث ولا نعلم في شيء من الروايات لها إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث " .
وتعيين هذه الأسماء لا يقتضي أكثر من أن مزيتها أن من أحصاها وحفظها دخل الجنة فلا يمنع أن تعد لله أسماء أخرى . وقد عد ابن برجان الأشبيلي في كتابه في أسماء الله الحسنى مائة واثنين وثلاثين اسما مستخرجة من القرآن والأحاديث المقبولة . وذكر القرطبي : أن له كتابا سماه " الأسنى في شرح الأسماء الحسنى " ذكر فيه من الأسماء ما ينيف على مائتي اسم وذكر أيضا أن أبا بكر بن العربي ذكر عدة من أسمائه تعالى مثل متم نوره وخير الوارثين وخير الماكرين ورابع ثلاثة وسادس خمسة والطيب والمعلم إلخ .
ولا تخفى سماجة عد نحو رابع ثلاثة وسادس خمسة فإنها وردت في القرآن في سياق المجاز الواضح ولا مناص من تحكيم الذوق السليم وليس مجرد الوقوف عند صورة ظاهرة من اللفظ وذكر ابن كثير في تفسيره عن كتاب الأحوذي في شرح الترمذي لعله يعني عاضة الأحوذي " ان بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله تعالى ألف اسم " ولم أجده في نسخ عارضة الأحوذي لابن العربي ولا ذكره القرطبي وهو من خاصة تلاميذه ابن العربي والموجود في كتاب أحكام القرآن له أنه حضره منها مائة وستة وأربعون اسما وساقها في كتاب الأحكام وسقط واحد منها في المطبوعة وذكر انه أبلغها في كتابه " الأمد " " أي الأمد الأقصى " في شرح الأسماء إلى مائة وستة وسبعين اسما قال ابن عطية واختلف في الاسم الذي يقتضي مدحا خالصا ولا تتعلق به شبهة ولا اشتراك إلا أنه لم يرد منصوصا هل يطلق ويسمى الله به فنص الباقلاني على جواز ذلك ونص أبي الحسن الأشعري على منع ذلك والفقهاء والجمهور على المنع والصواب : أن لا يسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة وأن يكون مدحا خالصا لا شبهة فيه ولا اشتراك أمر لا يحسنه إلا الأقل من أهل العلوم فإذا أبيح ذلك تسور عليه من يظن بنفسه الإحسان فأدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعا . واختلف في الأفعال التي في القرآن نحو ( الله يستهزئ بهم ) ( ومكر الله ) ونحو ذلك هل يطلق منها اسم الفاعل فقالت فرقة : لا يطلق ذلك بوجه وجوزت فرقة أن يقال ذلك مقيدا بسببه نحو الله ماكر بالذين يمكرون بالدين وأما إطلاق ذلك دون تقييد فممنوع إجماعا .
والمراد من ترك الذين يلحدون في أسمائه الإمساك عن الاسترسال في محاجتهم لظهور أنهم غير قاصدين معرفة الحق أو ترك الإصغاء لكلامهم لئلا يفتنوا عامة المؤمنين بشبهاتهم أي اتركوهم ولا تلغبوا أنفسكم في مجادلتهم فإني سأجزيهم وقد تقدم معنى ( ذر ) عند قوله تعالى ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) في سورة الأنعام .
A E