والإنزال جعل الشيء نازلا والنزول الانتقال من علو إلى سفل وهو حقيقة في انتقال الذوات من علو ويطلق الإنزال ومادة اشتقاقه بوجه المجاز اللغوي على معان راجعة إلى تشبيه عمل بالنزول لاعتبار شرف ورفعة معنوية كما في قوله تعالى ( قد أنزلنا عليكم لباسا ) وقوله ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) لأن خلق الله وعطاءه يجعل كوصول الشيء من جهة عليا لشرفه وأما إطلاقه على بلوغ الوصف من الله إلى الأنبياء فهو إما مجاز عقلي بإسناد النزول إلى الوحي تبعا لنزول الملك مبلغه الذي يتصل بهذا العالم نازلا من العالم العلوي قال تعالى ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) فإن الملك ملابس للكلام المأمور بتبليغه وإما مجاز لغوي بتشبيه المعاني التي تلقى إلى النبي بشيء وصل من مكان عال ووجه الشبه هو الارتفاع المعنوي لا سيما إذا كان الوحي كلاما سمعه الرسول كالقرآن وكما أنزل إلى موسى وكما وصف النبي A بعض أحوال الوحي في الحديث الصحيح بقوله " وأحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال " وأما رؤيا النوم كرؤيا إبراهيم فلا تسمى إنزالا والمراد بما أنزل إلى النبي A المقدار الذي تحقق نزوله من القرآن قبل نزول هذه الآية فإن الثناء على المهتدين إنما يكون بأنهم حصل منهم إيمان بما نزل لا توقع إيمانهم بما سينزل لأن ذلك لا يحتاج للذكر إذ من المعلوم أن الذي يؤمن بما أنزل يستمر إيمانه بكل ما ينزل على الرسول لأن العناد وعدم الاطمئنان إنما يكون في أول الأمر فإذا زالا بالإيمان أمنوا من الارتداد " وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب " . فالإيمان بما سينزل في المستقبل حاصل بفحوى الخطاب وهي الدلالة الأخروية فإيمانهم بما سينزل مراد من الكلام وليس مدلولا للفظ الذي هو للماضي فلا حاجة إلى دعوى تغليب الماضي على المستقبل في قوله تعالى ( بما أنزل ) والمراد ما أنزل وما سينزل كما في الكشاف .
وعدى الإنزال بإلى لتضمينه معنى الوصف فالمنزل إليه غاية للنزول والأكثر والأصل أنه يعدى بحرف على لأنه في معنى السقوط كقوله تعالى ( نزل عليك الكتاب بالحق ) وإذا أريد أن الشيء استقر عند المنزل عليه وتمكن منه قال تعالى ( وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) واختيار إحدى التعديتين تفنن في الكلام .
ثم إن فائدة الإتيان بالموصول هنا دون أن يقال والذين يؤمنون بك من أهل الكتاب الدلالة بالصلة على أن هؤلاء كانوا آمنوا بما ثبت نزوله من الله على رسلهم دون تخليط بتحريفات صدت قومهم عن الدخول في الإسلام ككون التوراة لا تقبل النسخ وأنه يجيء في آخر الزمان من عقب إسرائيل من يخلص بني إسرائيل من الأسر والعبودية ونحو ذلك من كل ما لم ينزل في الكتب السابقة ولكنه من الموضوعات أو من فاسد التأويلات ففيه تعريض بغلاة اليهود والنصارى الذين صدهم غلوهم في دينهم وقولهم على الله غير الحق عن اتباع النبي A .
A E