وإنما أطلقت على الدعاء لأنه يلازم الخشوع والانخفاض والتذلل ثم اشتقوا من الصلاة التي هي اسم جامد صلى إذا فعل الصلاة واشتقوا صلى من الصلاة كما اشتقوا صلى الفرس إذا جاء معاقبا للمجلي في خيل الحلبة لأنه يجيء مزاحما له في السبق واضعا رأسه على صلا سابقه واشتقوا منه المصلى اسما للفرس الثاني في خيل الحلبة وهذا الرأي في اشتقاقها مقتضب من كلامهم وهو الذي يجب اعتماده إذ لم يصلح لأصل اشتقاقها غير ذلك . وما أورده الفخر في التفسير أن دعوى اشتقاقها من الصلوين يفضي إلى طعن عظيم في كون القرآن حجة لأن لفظ الصلاة من أشد الألفاظ شهرة واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء اشتهارا فيما بين أهل النقل فإذا جوزنا أنه خفي واندرس حتى لا يعرفه إلا الآحاد لجاز مثله في سائر الألفاظ فلا نقطع بان مراد الله تعالى من هذه الألفاظ ما يتبادر منها إلى أفهامنا في زماننا هذا لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول موضوعة لمعان أخر خفيت علينا اه يرده أنه لا مانع من أن يكون لفظ مشهور منقولا من معنى خفي لأن العبرة في الشيوع بالاستعمال وأما الاشتقاق فبحث علمي ولهذا قال البيضاوي " واشتهار هذا اللفظ في المعنى الثاني مع عدم اشتهاره في الأول لا يقدح في نقله منه " .
ومما يؤيد أنها مشتقة من هذا كتابتها بالواو في المصاحف إذ لولا قصد الإشارة إلى ما اشتقت منه ما كان وجه لكتابتها بالواو وهم كتبوا الزكاة والربا والحياة بالواو إشارة إلى الأصل . وأما قول الكشاف وكتابتها بالواو على لفظ المفخم أي لغة تفخيم اللام يرده أن ذلك لم يصنع في غيرها من اللامات المفخمة .
ومصدر صلى قياسه التصلية وهو قليل الورود في كلامهم . وزعم الجوهري أنه لا يقال صلى تصلية وتبعه الفيروزابادي والحق أنه ورد بقلة في نقل ثعلب في أماليه .
وقد نقلت الصلاة في لسان الشرع إلى الخضوع بهيأة مخصوصة ودعاء مخصوص وقراءة وعدد . والقول بأن أصلها في اللغة الهيئة في الدعاء والخضوع هو أقرب إلى المعنى الشرعي وأوفق بقول القاضي أبي بكر ومن تابعه بنفي الحقيقة الشرعية وأن الشرع لم يستعمل لفظا إلا في حقيقته اللغوية بضميمة شروط لا يقبل إلا بها . وقالت المعتزلة الحقائق الشرعية موضوعة بوضع جديد وليست حقائق لغوية ولا مجازات . وقال صاحب الكشاف : الحقائق الشرعية مجازات لغوية اشتهرت في معان . والحق أن هاته الأقوال ترجع إلى أقسام موجودة في الحقائق الشرعية .
( ومما رزقناهم ينفقون [ 3 ] ) صلة ثالثة في وصف المتقين مما يحقق معنى التقوى وصدق الإيمان من بذل عزيز على النفس في مرضاة الله ؛ لأن الإيمان لما كان مقره القلب ومترجمه اللسان كان محتاجا إلى دلائل صدق صاحبه وهي عظائم الأعمال من ذلك التزام آثاره في الغيبة الدالة عليه ( الذين يؤمنون بالغيب ) ومن ذلك ملازمة فعل الصلوات لأنها دليل على تذكر المؤمن من آمن به . ومن ذلك السخاء ببذل المال للفقراء امتثالا لأمر الله بذلك .
والرزق ما يناله الإنسان من موجودات هذا العالم التي يسد بها ضروراته وحاجاته وينال بها ملائمة فيطلق على كل ما يحصل به سد الحاجة في الحياة من الأطعمة والأنعام والحيوان والشجر المثمر والثياب وما يقتنى به ذلك من النقدين قال تعالى ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) . أي مما تركه الميت وقال ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا ) وقال في قصة قارون : ( وآتيناه من الكنوز ) إلى قوله ( ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ) مرادا بالرزق كنوز قارون وقال ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) وأشهر استعماله بحسب ما رأيت من كلام العرب وموارد القرآن أنه ما يحصل من ذلك للإنسان وأما إطلاقه على ما يتناوله الحيوان من المرعى والماء فهو على المجاز كما في قوله تعالى ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) وقوله ( وجد عندها رزقا ) وقوله ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) ! .
A E