والضمير المنصوب في ( نحشرهم ) يعود إلى ( من افترى على الله كذبا ) أو إلى ( الظالمون ) إذ المقصود بذلك المشركون فيؤذن بمشركين ومشرك بهم . وللتنبيه على أن الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم جيء بقوله ( جميعا ) ليدل على قصد الشمول فإن شمول الضمير لجميع المشركين لا يتردد فيه السامع حتى يحتاج إلى تأكيده باسم الإحاطة والشمول فتعين أن ذكر ( جميعا ) قصد منه التنبيه . على أن الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم فيكون نظير قوله ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم ) وقوله ( ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله ) . وانتصب ( جميعا ) هنا على الحال من الضمير .
والمقصود من حشر أصنامهم معهم أن تظهر مذلة الأصنام وعدم جدواها كما يحشر الغالب أسرى قبيلة ومعهم من كانوا ينتصرون به لأنهم لو كانوا غائبين لظنوا أنهم لو حضروا لشفعوا أو أنهم شغلوا عنهم بما هم فيه من الجلالة والنعيم فإن الأسرى كانوا قد يأملون حضور شفائعهم أو من يفاديهم . قال النابغة : .
" يأملن رحلة نصر وابن سيار وعطف ( نقول ) ب ( ثم ) لأن القول متأخر عن زمن حشرهم بمهلة لأن حصة انتظار المجرم ما سيحل به أشد عليه ولأن في إهمال الاشتغال بهم تحقيرا لهم . وتفيد ( ثم ) مع ذلك الترتيب الرتبي .
وصرح ب ( الذين أشركوا ) لأنهم بعض ما شمله الضمير أي ثم نقول للذين أشركوا من بين ذلك الجمع .
وأصل السؤال ب ( أين ) أنه استفهام عن المكان الذي يحل فيه المسند اليه نحو : أين بيتك وأين تذهبون . وقد يسأل بها عن الشيء الذي لا مكان له فيراد الاستفهام عن سبب عدمه كقول أبي سعيد الخدري لمروان بن الحكم حين خرج يوم العيد فقصد المنبر قبل الصلاة ( أين تقديم الصلاة ) . وقد يسأل ب ( أين ) عن عمل أحد كان مرجوا منه فإذا حضر وقته ولم يحصل منه يسأل عنه ب ( أين ) كأن السائل يبحث عن مكانه تنزيلا له منزلة الغائب المجهول مكانه ؛ فالسؤال ب ( أين ) هنا عن الشركاء المزعومين وهم حاضرون كما دلت عليه آيات أخرى . قال تعالى ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ) .
والاستفهام توبيخي عما كان المشركون يزعمونه من أنها تشفع لهم عند الله أو أنها تنصرهم عند الحاجة فلما رأوها لا غناء لها قيل لهم : أين شركاؤكم أي أين عملهم فكأنهم غيب عنهم .
وأضيف الشركاء إلى ضمير المخاطبين إضافة اختصاص لأنهم الذين زعموا لهم الشركة مع الله في الإلهية فلم يكونوا شركاء إلا في اعتقاد المشركين فلذلك قيل ( شركاؤكم ) . وهذا كقول أحد أبطال العرب لعمرو بن معد يكرب لما حدث عمرو في جمع أنه قتله وكان هو حاضرا في ذلك الجمع فقال له ( مهلا أبا ثور قتيلك يسمع ) أي المزعوم أنه قتيلك .
ووصفوا ب ( الذين كنتم تزعمون ) تكذيبا لهم ؛ وحذف المفعول الثاني ل ( تزعمون ) ليعم كل ما كانوا يزعمونه لهم من الإلهية والنصر والشفاعة ؛ أما المفعول الأول فحذف على طريقة حذف عائد الصلة المنصوب .
والزعم : ظن يميل إلى الكذب أو الخطأ أو لغرابته يتهم صاحبه فيقال : زعم بمعنى أن عهدة الخبر عليه لا على الناقل وتقدم عند قوله تعالى ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) الآية في سورة النساء . وتأتي زيادة بيان لمعنى الزعم عند قوله تعالى ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ) في سورة التغابن .
وقوله ( ثم لم تكن فتنتهم ) عطف على جملة ( ثم نقول ) و ( ثم ) للترتيب الرتبي وهو الانتقال من خبر إلى خبر أعظم منه .
والفتنة أصلها الاختبار من قولهم : فتن الذهب إذا اختبر خلوصه من الغلث . وتطلق على اضطراب الرأي من حصول خوف لا يصبر على مثله لأن مثل ذلك يدل على مقدار ثبات من يناله فقد يكون ذلك في حالة العيش ؛ وقد يكون في البغض والحب ؛ وقد يكون في الاعتقاد والتفكير وارتباك الأمور . وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) في سورة البقرة .
و ( فتنتهم ) هنا استثني منها ( أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) فذلك القول إما أن يكون من نوع ما استثني هو منه المحذوف في تفريغ الاستثناء فيكون المستثنى منه من الأقوال الموصوفة بأنها فتنة . فالتقدير : لم يكن لهم قول هو فتنة لهم إلا قولهم ( والله ربنا ما كنا مشركين ) .
A E