والضمير عائد إلى ( الذين كفروا ) وإن كان قاله بعضهم لأن الجميع قائلون بقوله وموافقون عليه .
A E و ( لولا ) للتحضيض بمعنى ( هلا ) . والتحضيض مستعمل في التعجيز على حسب اعتقادهم . وضمير ( عليه ) للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاد الضمير معلوم من المقام لأنه إذا جاء في الكلام ضمير غائب لم يتقدم له معاد وكان بين ظهرانيهم من هو صاحب خبر أو قصة يتحدث الناس بها تعين أنه المراد من الضمير . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين استأذنه في قتل ابن صياد " إن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " . يريد من ضمائر الغيبة الثلاثة الأول ى الدجال لأن الناس كانوا يتحدثونأن ابن صياد هو الدجال . ومثل الضمير اسم الإشارة إذا لم يذكر في الكلام اسم يشار إليه . كما ورد في حديث أبي ذر أنه قال لأخيه عند بعثة محمد صلى الله عليه وسلم " اذهب فاستعلم لنا علم هذا الرجل " . وفي حديث سؤال القبر " فيقال له " أي للمقبور " : ما علمك بهذا الرجل " يعني أن هذا قولهم فيما بينهم أو قولهم للذي أرسلوه إلى النبي أن يسأل الله أن يبعث معه ملكا . وقد شافهوه به مرة أخرى فيما حكاه الله عنهم ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ) فإن ( لو ما ) أخت ( لولا ) في إفادة التحضيض .
وقوله ( ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ) معناه : لو أنزلنا ملكا على الصفة التي اقترحوها يكلمهم لقضي الأمر أي أمرهم ؛ فاللام عوض عن المضاف إليه بقرينة السياق . أي لقضي أمر عذابهم الذي يتهددهم به .
ومعنى ( قضي ) تمم كما دل عليه قوله ( ثم لا ينظرون ) ؛ ذلك أنه لا تنزل ملائكة غير الذين سخرهم الله للأمور المعتادة مثل الحفظة وملك الموت والملك الذي يأتي بالوحي ؛ إلا ملائكة تنزل لتأييد الرسل بالنصر على من يكذبهم مثل الملائكة التي نزلت لنصر المؤمنين في بدر . ولا تنزل الملائكة بين القوم المغضوب عليهم إلا لإنزال العذاب بهم كما نزلت الملائكة في قوم لوط . فمشركو مكة لما سألوا النبي أن يريهم ملكا معه ظنوا مقترحهم تعجيزا فأنبأهم الله تعالى بأنهم اقترحوا أمرا لو أجيبوا إليه لكان سببا في مناجزة هلاكهم الذي أمهلهم إليه فيه رحمة منه .
ولعل حكمة ذلك أن الله فطر الملائكة على الصلابة والغضب للحق بدون هوادة وجعل الفطرة الملكية سريعة لتنفيذ الجزاء على وفق العمل كما أشار إليه قوله تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) فلذلك حجزهم الله عن الاتصال بغير العباد المكرمين الذين شابهت نفوسهم الإنسانية النفوس الملكية ولذلك حجبهم الله عن النزول إلى الأرض إلا في أحوال خاصة كما قال تعالى عنهم ( وما تتنزل إلا بأمر ربك ) وكما قال ( ما تنزل الملائكة إلا بالحق ) فلو أن الله أرسل ملائكة في الوسط البشري لما أمهلوا أهل الضلال والفساد ولناجزوهم جزاء العذاب ألا ترى أن الملائكة الذين أرسلهم الله لقوم لوط لما لقوا لوطا قالوا ( يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ) . ولما جادلهم إبراهيم في قوم لوط بعد أن بشروه واستأنس بهم ( قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك ) وهو نزول الملائكة ؛ فليس الملائكة تصرف في غير ما وجهوا إليه