( أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد [ 1 ] ) أشعر كلام بعض المفسرين بالتوقف في توجيه اتصال قوله تعالى ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) بقوله ( أوفوا بالعقود ) . ففي تلخيص الكواشي عن ابن عباس : المراد بالعقود ما بعد قوله ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) اه . ويتعين أن يكون مراد ابن عباس ما مبدؤه قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) الآيات .
وأما قول الزمخشري ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) تفصيل لمجمل قوله ( أوفوا بالعقود ) فتأويله أن مجموع الكلام تفصيل لا خصوص جملة ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) ؛ فإن إباحة الأنعام ليست عقدا يجب الوفاء به إلا باعتبار ما بعده من قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) . وباعتبار إبطال ما حرم أهل الجاهلية باطلا مما شمله قوله تعالى ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) الآيات .
A E والقول عندي أن جملة ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) تمهيد لما سيرد بعدها من المنهيات : كقوله ( غير محلي الصيد ) وقوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ) التي هي من عقود شريعة الإسلام فكان الابتداء بذكر بعض المباح امتنانا وتأنيسا للمسلمين ليتلقوا التكاليف بنفوس مطمئنة ؛ فالمعنى : إن حرمنا عليكم أشياء فقد أبحنا لكم أكثر منها وإن ألزمناكم أشياء فقد جعلناكم في سعة من أشياء أوفر منها ليعلموا أن الله ما يريد منهم إلا صلاحهم واستقامتهم .
فجملة ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا لأنها تصدير للكلام بعد عنوانه .
والبهيمة : الحيوان البري من ذوي الأربع إنسيها ووحشيها عدا السباع فتشمل بقر الوحش والظباء . وإضافة بهيمة إلى الأنعام من إضافة العام للخاص وهي بيانية كقولهم : ذباب النحل ومدينة بغداد . فالمراد الأنعام خاصة لأنها غالب طعام الناس وأما الوحش فداخل في قوله ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) وهي هنا لدفع توهم أن يراد من الأنعام خصوص الإبل لغلبة إطلاق اسم الأنعام عليها فذكرت ( بهيمة ) لشمول أصناف الأنعام الأربعة : الإبل والبقر والغنم والمعز .
والإضافة البيانية على معنى ( من ) التي للبيان كقوله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) .
والاستثناء في قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) من عموم الذوات والأحوال وما يتلى هو ما سيفصل عند قوله ( حرمت عليكم الميتة ) وكذلك قوله ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) الواقع حالا من ضمير الخطاب في قوله ( أحلت لكم ) وهو حال مقيد معنى الاستثناء من عموم أحوال وأمكنة لأن الحرم جمع حرام مثل رداح على ردح . وسيأتي تفصيل هذا الوصف عند قوله تعالى ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ) في هذه السورة .
والحرام وصف لمن أحرم بحج أو عمرة أي نواهما . ووصف أيضا لمن كان حالا في الحرم ومن إطلاق المحرم على الحال بالحرم قول الراعي : .
" قتلوا ابن عفان الخليفة محرما أي حالا بحرم المدينة