و ( إياك ) ضمير خطاب في حالة النصب والأظهر أن كلمة إيا جعلت ليعتمد عليها الضمير عند انفصاله ولذلك لزمتها الضمائر نحو : إياي تعني وإياك أعني وإياهم أرجو . ومن هنالك التزم في التحذير لأن الضمير انفصل عند التزام حذف العامل . ومن النحاة من جعل ( إيا ) ضميرا منفصلا ملازما حالة واحدة وجعل الضمائر التي معه أضيفت إليه للتأكيد . ومنهم من جعل ( إيا ) هو الضمير وجعل ما بعده حروفا لبيان الضمير . ومنهم من جعل ( إيا ) اعتمادا للضمير كما كانت أي اعتمادا للمنادى الذي فيه ال . ومنهم من جعل ( إيا ) اسما ظاهرا مضافا للمضمرات . والعبادة فعل يدل على الخضوع أو التعظيم الزائدين على المتعارف بين الناس . وأما إطلاقها على الطاعة فهو مجاز . والعبادة في الشرع أخص فتعرف بأنها فعل ما يرضي الرب من خضوع وامتثال واجتناب أو هي فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه وقال الرازي في تفسير قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) " العبادة تعظيم أمر الله والشفقة على الخلق . وهذا المعنى هو الذي اتفقت عليه الشرائع وإن اختلفوا في الوضع والهيئة والقلة والكثرة ا ه " فهي بهذا التفسير تشمل الامتثال لأحكام الشريعة كلها .
وقد فسر الصوفية العبادة بأنها فعل ما يرضي الرب . والعبودية بالرضا بما يفعل الرب . فهي أقوى . وقال بعضهم : العبودية الوفاء بالعهود وحفظ الحدود والرضا بالموجود . والصبر على المفقود وهذه اصطلاحات لا مشاحة فيها .
قال الفخر " مراتب العبادة ثلاث : الأولى أن يعبد الله طمعا في الثواب وخوفا من العقاب وهي العبادة وهي درجة نازلة ساقطة لأنه جعل الحق وسيلة لنيل المطلوب . الثانية أن يعبد الله لأجل أن يتشرف بعبادته والانتساب إليه بقبول تكاليفه وهي أعلى من الأولى إلا أنها ليست كاملة لأن المقصود بالذات غير الله . الثالثة أن يعبد الله لكونه إلها خالقا مستحقا للعبادة وكونه هو عبدا له وهذه أعلى المقامات وهو المسمى بالعبودية اه .
قلت ولم يسم الإمام المرتبة الثالثة باسم والظاهر أنها ملحقة في الاسم بالمرتبة الثالثة أعني العبودية لأن الشيخ ابن سينا قال في الإشارات " العارف يريد الحق لا لشيء غيره ولا يؤثر شيئا على عرفانه وتعبده له فقط ولأنه مستحق للعبادة ولأنها نسبة شريفة إليه لا لرغبة أو رهبة اه فجعلهما حالة واحدة .
A E وما ادعاه الفخر في سقوط الدرجة الأولى ونزول مرتبتها قد غلب عليه فيه اصطلاح غلاة الصوفية وإلا فإن العبادة للطمع والخوف هي التي دعا إليها الإسلام في سائر إرشاده وهي التي عليها جمهور المؤمنين وهي غاية التكليف كيف وقد قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فإن بلغ المكلف إلى المرتبتين الأخريين فذلك فضل عظيم وقليل ما هم على أنه لا يخلو من ملاحظة الخوف والطمع في أحوال كثيرة نعم إن أفاضل الأمة متفاوتون في الاحتياج إلى التخويف والإطماع بمقدار تفاوتهم في العلم بأسرار التكليف ومصالحه وتفاوتهم في التمكن من مغالبة نفوسهم ومع ذلك لا محيص لهم عن الرجوع إلى الخوف في أحوال كثيرة والطمع في أحوال أكثر . وأعظم دليل على ما قلنا أن الله تعالى مدح في كتابه المتقين في مواضع جمة ودعا إلى التقوى وهل التقوى إلا كاسمهما بمعنى الخوف والاتقاء من غضب الله قال تعالى ( ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) .
والمرتبة الثالثة هي التي أشار لها قوله A لمن قال له كيف تجهد نفسك في العبادة وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال " أفلا أكون عبدا شكورا " لأن من الظاهر أن الشكر هنا على نعمة قد حصلت فليس فيه حظ للنفس بالطمع في المزيد لأن الغفران العام قد حصل له فصار الشكر لأجل المشكور لا غير وتمحض أنه لا لخوف ولا طمع