بسم الله الرحمن الرحيم .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .
الحمد لله على أن بين للمستهدين معالم مراده ونصب لجحافل المستفتحين أعلام أمداده فأنزل القرآن قانونا عاما معصوما وأعجز بعجائبه فظهرت يوما فيوما وجعله مصدقا لما بين يديه ومهيمنا وما فرط فيه من شئ يعظ مسيئا ويعد محسنا حتى عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد وشهد له الراغب والمحتار والحاسد فكان الحال بتصديقه أنطق من اللسان وبرهان العقل فيه أبصر من شاهد العيان وأبرز آياته في الآفاق فتبين للمؤمنين أنه الحق كما أنزله على أفضل رسول فبشر بأن لهم قدم صدق فبه أصبح الرسول الأمي سيد الحكماء المربين وبه شرح صدره إذ قال " إنك على الحق المبين " فلم يزل كتابه مشعا نيرا محفوظا من لدنه أن يترك فيكون مبدلا ومغيرا .
ثم قيض لتبيينه أصحابه الأشداء الرحماء وأبان أسراره من بعدهم في الأمة من العلماء . فصلاة الله وسلامه على رسوله وآله الطاهرين وعلى أصحابه نجوم الاقتداء للسائرين والماخرين أما بعد فقد كان أكبر أمنيتي منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد الجامع لمصالح الدنيا والدين وموثق شديد العرى من الحق المتين والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها طمعا في بيان نكت من العلم وكليات من التشريع وتفاصيل من مكارم الأخلاق كان يلوح أنموذج من جميعها في خلال تدبره أو مطالعة كلام مفسره ولكني كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحم على هذا المجال وأحجم عن الزج بسية قوسي في هذا النضال . اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة أو فلتات سهام الفهم وإن بلغ ساعد الذهن كمال الفتوة . فبقيت أسوف النفس مرة ومرة أسومها زجرا فإن رأيت منها تصميما أحلتها على فرصة أخرى وأنا آمل أن يمنح من التيسير ما يشجع على قصد هذا الغرض العسير . وفيما أنا بين إقدام وإحجام أتخيل هذا الحقل مرة القتاد وأخرى الثمام . إذا أنا بأملي قد خيل إلي أنه تباعد أو انقضى إذ قدر أن تسند إلي خطة القضا . فبقيت متلهفا ولات حين مناص وأضمرت تحقيق هاته الأمنية متى أجمل الله الخلاص وكنت أحادث بذلك الأصحاب والإخوان وأضرب المثل بأبى الوليد ابن رشد في كتاب البيان ولم أزل كلما مضت مدة يزداد التمني وأرجو إنجازه إلى أن أوشك أن تمضي عليه مدة الحيازة فإذا الله قد من بالنقلة إلى خطة الفتيا . وأصبحت الهمة مصروفة إلى ما تنصرف إليه الهمم العليا فتحول إلى الرجاء ذلك الياس وطمعت أن أكون ممن أوتي الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس . هنالك عقدت العزم على تحقيق ما كنت أضمرته واستعنت بالله تعالى واستخرته ؟ وعلمت أن ما يهول من توقع كلل أو غلط لا ينبغي أن يحول بيني وبين نسج هذا النمط إذا بذلت الوسع من الاجتهاد وتوخيت طرق الصواب والسداد .
أقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع على وادي السباع ؛ متوسطا في معترك أنظار الناظرين وزائر بين ضباح الزائرين فجعلت حقا علي أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد . ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين : رجل معتكف فيما شاده الأقدمون وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون وفي كلتا الحالتين ضر كثير وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده وحاشا أن ننقضه أو نبيده عالما بأن غمض فضلهم كفران للنعمة وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة فالحمد لله الذي صدق الأمل ويسر إلى هذا الخير ودل .
A E