- حد السارق .
( قال ) : أي الراوي وهو يجيء ( ثم أنشأ ) أي شرع ابن مسعود ( يحدثنا ) أي أحاديث تناسب المقام ( فقال : إن أول حد أقيم في الإسلام ) أي كان ( لسارق أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فلما قامت عليه البينة ) أي بشروطها البينة وقيودها المعينة ( قال ) : أي النبي صلى الله عليه وسلّم ( انطلقوا به اقطعوه ) أي يمينه ( فلما انطلق به ) بصيغة المجهول والمعنى إذ ذهبوا به ( نظر ) بصيغة المجهول والمعنى نظر بعض الصحابة ( إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلّم ) أي فرآه ( كأنما سعى عليه ) بصيغة المجهول من باب التفعيل ( والله ) قسم معترض ( الرماد ) نائب الفاعل يقال سعت الريح التراب تسعيه درته وحملته ( فقال بعض جلسائه ) : أي من أصحابه الذين كانوا من خلصائه ( يا رسول الله فكأن ) بتشديد النون أي عسى ( هذا ) أي قطع هذا السارق ( قد اشتد عليك ) أي صعب وصار سبب الحزن لديك ؟ ( قال وما يمنعني أن لا يشتد علي أن تكونوا ) أي كونكم ( أعوان الشيطان ) أي معاونه في غرضه الكاسد وهو اشتهار الفسق بالعمل الفاسد ( على أخيكم ) فيه دليل على أن المؤمن وإن سرق لا يخرج عن الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ( قالوا فلولا خليت سبيله ) أي فهلا تركته بلا قطع ( قال : أفلا كان هذا ) أي تركه مغفورا ( قبل أن تأتوني به ) أي فأما بعد أن تأتوني به فلا ( فإن الإمام إذا انتهى إليه حد ) أي ثبت عنده ( فليس ينبغي له ) أي لا يجوز له ( أن يعطله ) أي لم يقم بأمره لقوله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } ( 1 ) وقوله سبحانه وتعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } ( 2 ) الآية ( قال ) : أي ابن مسعود ( ثم تلا ) أي النبي صلى الله عليه وسلّم استشهادا أو اعتضادا إلى ما سبق له في أن اللائق بهم فيما بينهم أن يتأثروا في حقوق الله تعالى ( { وليعفوا } ) ( 3 ) أي عن خصمائهم ( { وليصفحوا } ) أي أعرضوا عن تشنيع أفعالهم وعن المعالجة في تشنيع أقوالهم وأحوالهم ( { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } ) ( 3 ) وهذا إعراض والمعنى أن كل من يحب أن يغفر الله له فليعف وليصفح عن أخيه المسلم ولذا لما نزلت الآية قال أبو بكر : بلى ورجع على مسطح بالإحسان والإكرام وعن ابن عمر قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسارق فلما نظر إليه تغير وجهه كأنما رش على وجهه حب الرمان فلما رأى القوم شدته قالوا : يا رسول الله لو علمنا مشقته عليك ما جئناك به فقال : " كيف لا يشق علي وأنتم أعوان الشيطان على أخيكم " رواه الديلمي .
( وفي رواية عن ابن مسعود أن رجلا أتي بابن أخ له سكران ) أي على زعم الرجل ( فقال ) ابن مسعود لأصحابه : ( ترتروه ) بكسر الفوقانية الثانية أمر من ترتروا السكران أي حركوه وزعزعوه ( ومزمزوه ) أي حركوه تحريكا عنيفا ( واستنكهوه ) أي استنشموه هل يجد منه ريح الخمر أم لا ( فترتروه ) أي بمبالغة وغيرها ( واستنكهوه فوجدوا منه ريح شراب ) أي خمر ( فأمر بحبسه فلما صحا ) أي أفاق عن سكره ورجع عقله إليه فضحوه ( دعا به ) دعا بسوط فأمر به فقطعت ثمرته ) بصيغة المجهول ( وذكر الحديث ) أي السابق إلى آخره .
( وفي رواية عن ابن مسعود قال : إن أول حد أقيم في الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتي بسارق فأمر به فقطعت يده فلما انطلق به نظر ) أي نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( كأنما يسقى ) أي يذر في ( وجهه الرماد ) أي من كثرة الحزن المؤثر في الفؤاد ( فقال ) : أي قائل ( يا رسول الله كأنه شق عليك فقال : " ألا يشق علي أن تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم " أي على إيصال ضرره وإرادة شره ( قالوا أفلا ندعه ؟ ) بالنون أو بتاء الخطاب أي نتركه ( قال : " أفلا كان هذا قبل أن يؤتى به فإن الإمام إذا رفع إليه الحد فليس ينبغي له أن يدعه " ) أي يتركه ( حتى يمضيه ) بضم أوله أي يقضيه ( ثم تلا : { وليعفوا وليصفحوا } إلى آخر الآية ) أي المتقدمة .
وفي الجامع الكبير لشيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي عن أبي ماجد الحنفي أتاه رجل بابن أخ له وهو سكران فقال : ترتروه ومزمزوه واستنكهوه فوجدوا منه ريح شراب فأمر به عبد الله إلى السجن ثم أخرجه من الغد ثم أمر بسوط فدقت ثمرته حتى افتت له فخففه يعني صار خفيفا ثم قال للجلاد اضرب وارجع يديك وأعط كل عضو حقه فضربه ضربا غير مبرح وارجعه قيل : يا أبا ماجد ما المبرح ؟ قال : ضرب الأمراء قيل : فما قوله : ارجع يديك قال : لا يتمطى ولا يرى إبطه قال : فأقامه في قباء وسراويل ثم قال : بئس العم والله ولي اليتيم هذا ما أدبت فأحسنت الأدب ولا سترته الخزية .
ثم قال عبد الله : إن الله عفو يحب العفو وأن لا ينبغي لوال أن يؤتي حدا إلا أقامه ثم أنشأ عبد الله يحدث قال : أول حد أقيم في الإسلام رجل قطع من المسلمين رجل من الأنصار أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكأنما سعي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم رماد يعني ذر عليه رماد فقالوا : يا رسول الله كأن هذا أشق عليك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم إن الله عفو يحب العفو وإنه لا ينبغي لوال أن يؤتى بحد إلا أقامه ثم قرأ { وليعفوا وليصفحوا } .
رواه عبد الرزاق وابن أبي الدينار في ذم الغصب وابن أبي حاتم والخرائطي في مكارم الأخلاق والطبراني وابن مردويه والحاكم وغيره .
قال ابن الهمام : فعن عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن عبد الله التيمي الجابري عن أبي ماجد الحنفي قال : جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد الله بن مسعود فقال عبد الله : ترتروه ومزمزوه واستنكهوه ففعلوا ذلك فرفعه إلى السجن ثم عاد به من الغد فدعا بسوط ثم أمر به فدقت ثمرته بين حجرين حتى صارت درة ثم قال للجلاد : اجلد وارجع يدك وأعط كل عضو حقه .
ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني ورواه إسحاق بن راهويه أخبرنا جزء بن عبد الحميد عن يحيى بن عبد الجابرية انتهى . وفي القاموس الدرة الذي يضرب بها انتهى لا يخفى أنه تعريف قاصر .
_________ .
( 1 ) البقرة 229 .
( 2 ) النور 2 .
( 3 ) النور 22