- حديث الدخان .
وبه ( عن الهيثم عن السبعي عن مسروق عن عبد لله ) أي ابن مسعود ( قال : قد مضى الدخان والبطشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) لا أنهما يأتيان في آخر الزمان .
اختلفوا في الدخان والبطشة المذكورين في قوله تعالى : { يوم تأتي السماء بدخان مبين } ( 1 ) وقوله تعالى : { يوم نبطش البطشة الكبرى } ( 2 ) ففي البخاري سأل محمد بن كثير عن سفيان بن منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق وقال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا فنهض فجلس فقال من علم شيئا فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم الله ورسوله أعلم فإن الله تعال قال لنبيه صلى الله عليه وسلّم { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } ( 3 ) وإن قريشا أبطأوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف . فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فقرأ : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ( 1 ) إلى قوله { عائدون } ( 4 ) فتكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله { يوم نبطش البطشة الكبرى } ( 2 ) يعني يوم بدر .
وقال البغوي : وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء وقال الحسن { يوم نبطش البطشة الكبرى } ( 2 ) يوم القيامة وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس قال : يوم الدخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين ويقترن المؤمن كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن .
وفي البخاري عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أول آيات الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن اليمن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم حيث قالوا قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان فتلا هذه الآية { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان } ( 1 ) تملأ ما بين المشرق والمغرب تمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه الزكام وأما الكافر كهيئة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ولا يخفى أن قول ابن مسعود أصبح في تفسير الآية إذ قوله تعالى : { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } ( 4 ) كالتصريح بمقصوده فإنه لا يتصور كشف عذاب الآخرة لا قليلا ولا كثيرا وكذا عودهم إلى شدة الكفر غير متصور حينئذ . فتعين أن يحمل على عذاب الدنيا وأنهم عائدون في كفرهم نقضا لعهدهم .
ويؤيده أيضا قوله : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } ( 2 ) إنه يوم بدر ولا يبعد حمل الآية على المعنى الأعم والله سبحانه وتعالى أعلم .
_________ .
( 1 ) الدخان 10 .
( 2 ) الدخان 16 .
( 3 ) ص 86 .
( 4 ) الدخان 15