- أداء الصلاة مع الجماعة بعد أدائها مفردة .
وبه ( عن الهيثم عن جابر بن الأسود أو الأسود بن جابر عن أبيه ) أي جابر وهو إذا أطلق فالمراد به جابر بن عبد الله الأنصاري والله سبحانه وتعالى أعلم ( أن رجلين ) أي من أهل المدينة ( صليا الظهر في بيوتهما ) أي منفردين ( على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ) أي في زمانه E ( وهما يريان ) بضم أوله أي يظنان ( أن الناس قد صلوا ) أي في المسجد جماعة ( ثم أتيا في المسجد ) أي بعد فراغ صلاتهما ( فإذا ) للمفاجأة ( رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الصلاة ) أي في أولها أو آخرها ( فقعدا ناحية من المسجد وهما يريان ) أن يتوهمان الصلاة أي إعادتها والاقتداء بها نافلة لا تحل لهما حيث أنهما قد صليا ( فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورآهما ) أي على حالهما المشابه بحال المنافقين أو الكافرين ( أرسل إليهما ) أي بطلبهما ( فجيء بهما وفرائصهما ترتعد ) جمع فريصة وهي أوداج العنق واللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترتعد ( مخافة أن يكون قد حدث ) أي نزل ( في أمرهما شيء ) أي من الوحي الجلي أو الخفي ويكون موجبا لغضبه E عليهما ( فسألهما ) أي عن وجه امتناع اقتدائهما ( فأخبراه الخبر فقال : إذا فعلتما ذلك فصليا مع الناس واجعلا الأولى هي الفريضة ) أي والثانية نافلة .
وفيه إشارة إلى أنه إنما يصلي نافلة إذا لم يكن الوقت مكروها لأدائها فلا يصلي بعد الصبح ولا بعد العصر ولا بعد المغرب لامتناع ثلاث ركعات نفلا ولعدم اقتصاره على ركعتين وازدياد على ثلاث للزوم مخالفة الإمام .
وعن ابن عمر قال : إن كنت قد صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه غير صلاة الصبح وصلاة المغرب فإنهما لا يصليان مرتين رواه عبد الرزاق والعصر في حكم الصبح .
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال : إذا أعاد المغرب يشفع بركعة رواه ابن أبي شيبة وهو محمول على فرض وقوعه فإنه أولى من الاقتصار على الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم .
وفي الحديث دليل على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة كما قاله أحمد وإلا كانت الثانية فرضا .
وفيه تنبيه على أن الإعادة ممنوعة وأن القول بأن الثانية هي الفريضة ضعيف . وكذا القول بأنه مبهم مفوض إلى الله سبحانه وتعالى إذ لا بد أن يكون الصلاة متعينة لتكون الأحكام عليها متفرعة .
( قيل : قد روى هذا الحديث جماعة ) أي من الرواة ( عن أبي حنيفة عن الهيثم فلم يجاوزوا الهيثم ) أي في إسنادهم ( فقالوا : عن الهيثم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ) فيكون الحديث مرسلا أو مقطوعا وهو حجة عندنا .
وأصل الحديث ورد عن يزيد بن الأسود على ما رواه أبو داود والحاكم والبيهقي بلفظ : " إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها نافلة " .
وفي رواية لأحمد والترمذي والنسائي والبيهقي عنه أيضا بلفظ : " إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة " .
وفي رواية للبيهقي عن ابن عمر ولفظه : إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فيكون لكما نافلة والتي في رحالكما فريضة .
وعن ابن عمر أنه سئل عن الرجل يصلي الظهر في بيته ثم يأتي المسجد والناس يصلون فيصلي معهم فأيتهما صلاته ؟ قال : الأولى منهما صلاته وعن علي في الذي يصلي وحده ثم يصلي في الجماعة قال : أيتهما صلاته : قال : الأولى منهما صلاته .
وعن علي في الذي يصلي وحده ثم يصلي في الجماعة قال : صلاته الأولى رواه ابن أبي شيبة . وأما ما في أبي داود والنسائي عن سليمان بن يسار قال : أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون قلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لا تصلوا صلاة في يوم مرتين " فمحمول على أنه قد صلى تلك الصلاة جماعة لما روى مالك في الموطأ ثنا نافع أن رجلا سأل ابن عمر يسأل فقال : إني أصلي في بيتي ثم أدركت الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال ابن عمر : نعم فقال أيتهما أجعل صلاتي فقال ابن عمر : ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء وقال مالك : هذا من ابن عمر دليل على أن الذي روى عن سليمان بن يسار عنه إنما أراد كلتيهما على وجه الفرض إذا صلى في جماعة فلا يعيد .
قال ابن الهمام : وفيه نفي لقول الشافعية بإباحة الإعادة مطلقا وإن صلاها في جماعة . والله سبحانه وتعالى أعلم