- جواز القراءة في الجهر .
وبه : ( عن الهيثم عن رجل عن عبد الله بن مسعود أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سمرا ) بفتح الميم أي سمرا في أول الليل وتحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( ذات ليلة ) أي ليلة من ليالي ( قال ) أي ابن مسعود أو الرجل عنه ( فخرجا ) أي الشيخان ( وخرج ) أي النبي صلى الله عليه وسلّم ( معهما فمروا ) أي ثلاثتهم ( بابن مسعود ) فيه وضع الظاهر موضع الضمر على أنه نوع التفات منه على الأول فتأمل ( وهو يقرأ ) أي والحال أن ابن مسعود يقرأ القرآن في صلاة أو غيرها بصوت حسن وأداء مستحسن .
وفي رواية ابن عبد الله : وافتتح بالنساء ( فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : من سره ) أي أعجبه ( أن يقرأ القرآن كما أنزل ) أي مرفلا طريا معدلا لا تغييرا ولا تبديلا ( فليقرأ ) أي القرآن ( على قراءة ابن أم عبد ) يعني ابن مسعود وفيه منقبة عظيمة في حضرة جماعة جسيمة ( وجعل ) أي وشرع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول ( له ) أي لابن مسعود وهو غائب عنه ( سل ) أي اطلب ( ما شئت تعطيه ) بصيغة المجهول ( فأتاه أبو بكر وعمر ) أي بعد مفارقتهما صلى الله عليه وسلّم إما في آخر الليل وإما في أول النهار ( يبشرانه ) أي يريدان بإتيانهما إليه أن يبشراه بما صدر عن صدر الأنبياء من مدح قراءته وأمره بالدعاء وإجابته ( فسبق أبو بكر أو عمر إليه ) أي في النزول عليه وفي الكلام لديه ( فبشره ) أي إجمالا ( وأخبره ) أي تفصيلا ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد أمر بالدعاء فقال ) أي ابن مسعود ( في دعائه : اللهم إني أسألك إيمانا دائما ) أي مستمرا مستقرا ( لا يزول ) تفسير لما قبله أو تأكيد له وفي رواية : إيمانا لا يرتد وهذا يدل على كمال خوفه من سوء الخاتمة . ( ونعيما لا تنفذ ) بفتح الفاء فدال المهملة أي لا يفنى ولا يحول وهذا يشير إلى كمال زهده في الدنيا ورغبته في نعيم العقبى ( ومرافقة نبيك في جنة الخلد ) وهذا يشير إلى علو همته ورفعة مرتبته حيث أراد قرب المولى بوسيلة المصطفى .
وفي رواية أبي عبد الله وأحمد والترمذي والنسائي وابن حزيم وابن أبي داود وابن الأنباري معا في المصحف وعبد الرزاق وابن حبان والدارقطني في الأفراد وابن عساكر وابن نعيم في الحلية وأبي يعلى عن قيس ابن مروان أنه أتى عمر فقال : جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف من ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شفتي الرجل فقال : ومن هو ويحك ؟ قلت : عبد الله بن مسعود فقال : فما زال يطفأ ويسر عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ثم قال : ويحك والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أعلم بذلك منه وسأحدثك عن ذلك : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " سل تعط قلت : والله لأغدون إليه فلأبشرنه فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره والله ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه " .
ورواه ابن عساكر عن كميل قال : قال عمر بن الخطاب : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر ومن شاء الله فمررنا بعبد الله بن مسعود وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من هذا الذي يقرأ ؟ فقيل له : هذا عبد الله بن أم عبد فقال : إن عبد الله يقرأ القرآن غضا كما أنزل فأثنى عبد الله على ربه وحمده كأحسن ما أثنى عبد على ربه ثم سأله فاحتجى المسألة وسأله كأحسن مسألة سألها عبد ربه ثم قال : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ويقينا لا ينفد ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلّم في أعلى عليين في جنات الخلد وكان رسول الله A يقول : سل تعطه فانطلقت لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني وكان سباقا بالخير .
قال ابن عساكر : وهذا غريب والمحفوظ عن عمر ما تقدم أول واشتهركذا في الجامع الكبير ولا مانع من الجمع بالحمل على تعدد القضاء والله سبحانه أعلم .
( وفي رواية عن الهيثم عن عبد الله ) أي ابن مسعود ولم يذكر رجلا فيحتمل أن الحديث موصولا من وجه مقطوعا من وجه آخر فتدبر وعلى كل تقدير فهو معمول عندنا ( أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سمرا عند النبي A ) أي في ليلة المشاورة في قضية ( فخرجا وخرج معهما فمروا بابن مسعود ) أي في المسجد ( وهو يقرأ القرآن في الصلاة ) أي صلاة التهجد ( فقال النبي A : " من أحب أن يقرأ القرآن غضا " أي طريا ( كما أنزل ) أي من غير تغير من لحن وغيره ( فليقرأ على قراءة ابن أم عبد الله ) يعني ابن مسعود ( وجعل ) أي النبي A عند دعاء ابن مسعود بعد فراغ قراءته ( يقول ) أي في حقه ( سل تعطه ) شهادة له أن قراءته مقبولة ودعوته مستجابة ( وذكر ) أي الهيثم ( تمام الأول ) أي بقية الحديث السابق كما تقدم والله أعلم