- شفعة الجار .
وبه : ( عن عبد الكريم عن المسور ) بكسر الميم وفتح الواو ( بن مخرمة ) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء مفتوحة يكنى أبا عبد الرحمن الزهري القرشي وهو ابن أخت عبد الرحمن بن عوف ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين وقدم به إلى المدينة في ذي الحجة سنة ثمان وقبض النبي صلى الله عليه وسلّم وله ثمان سنين وسمع منه وحفظ عنه وكان فقيها من أهل الفضل والدين لم يزل بالمدينة إلى أن قتل عثمان وانتقل إلى مكة فلم يزل بها حتى مات معاوية وكره بيعة يزيد فثم مقيما بمكة إلى أن بعث يزيد عسكره وحاصر مكة وبها ابن الزبير فأصاب المسور حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجرة فقتله وذلك في مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين .
روى عنه خلق كثير ( قال : أراد سعد ) وهو ابن أبي وقاص ( ببيع دار له فقال لجاره : خذها بسبعمائة فإني قد أعطيت بها ) بصيغة المجهول أي أعطاني الناس بدلها ( ثماني مائة درهم ولكن أعطيتكها ) أي بأنقص من قيمتها واكتفيت بأصل ثمنها ( لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " الجار أحق بشفعته " وهذا من كمال سخاوته وجمال رحمته ورأفته .
والحديث المرفوع رواه أحمد والأربعة عن جابر ولفظه : " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " .
ورواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي رافع والنسائي وابن ماجه عن اليزيد بن سويد بلفظ " الجار أحق بصقبه " بفتح المهملة وقاف أي بما يليه وبقربه .
( وفي رواية عن المسور ) يعني شيخ عبد الكريم ( عن رافع بن خديج ) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وسكون التحتية فجيم يكنى أبا عبد الله الحارثي الأنصاري أصابه سهم يوم أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أنا شهيد لك يوم القيامة وانفضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان فمات سنة ثلاث وسبعين بالمدينة وله ست وثمانون سنة .
روى عنه خلق كثير ( قال : عرض علي سعد بيتا ) أي شراء دار ملك له ( فقال : خذه ) أي خذ البيت بثمنه ولا تتوقف في أخذه ( أما ) أي تنبيه ( إني قد أعطيت به ) أي بمقابلته ( أكثر مما تعطي ) وفق ما أطلبه منك ولكنك أحق به فاخترتك على غيرك في أخذه ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " الجار أحق بشفعته " ) أي من غيره لكن بقيمته وإنما سامح سعد رضي الله تعالى عنه في ترك زيادته لكمال مروءته وسخاوته .
( وفي رواية عن المسور عن رافع مولى سعد أنه قال لرجل يعني ) أي يريد بضمير أنه سعدا وقوله : خذ هذا البيت ( بأربع مائة ) مقول سعد ( أما ) بتخفيف الميم للتنبيه ( إني أعطيت به ثمان مائة درهم ولكني أعطيتكه ) وروى أنقص عن ثمنه ( لحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " الجار أحق بشفعته " ) .
( وفي رواية عن سعد بن مالك ) يعني ابن أبي وقاص ( أنه عرض بيتا له على جاره ) أي الملاصق داره بداره ( بأربعمائة ) بناء على المسامحة ( وقال : قد أعطيت به ثماني مائة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " الجار أحق بصقبه " ) اعلم أن الشفعة شرعا بملك العقار على مشتريه جبرا بمثل ثمنه وثبتت للخليط وهو الشريك الذي يقاسم في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع كالشرب والطريق خاصتين ثم لجار ملاصق بالشروط المعروفة في الفقه فعندنا : الشفعة لكل واحد من هذه الثلاثة على هذا الترتيب وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك كما ذكره الترمذي في جامعه وقال مالك والشافعي وأحمد لا شفعة للجار لمروي البخاري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة .
ولنا : ما روى أبو داود في البيوع والترمذي في الأحكام وقال : حسن صحيح والنسائي في الشروط عن قتادة عن الحسن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض . ورواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه وابن أبي شيبة في مصنفه وفي بعض ألفاظهم الجار أحق بشفعة الدار .
فإن قيل : المراد بما رويتم الجار الذي يكون شريكا لما أخرجه البخاري عن عمرو بن الثريد قال : وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا سعد أتبع مني بيتي في دارك فقال : والله ابتاعهما فقال المسور : والله لتبتاعهما فقال سعد : والله لا أزيد على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع : لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " الجار أحق بصقبه " وفي رواية بسقبة ما أعطيتكها بأربعة آلاف درهم وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاهما إياه .
أجيب : بأن هذا معارض لما أخرجه النسائي وابن ماجه عن عمرو بن الثريد عن أبيه أن رجلا قال : يا رسول الله أرضي ليس لي أحد فيها شريك ولا قسم إلا الجوار فقال : الجار أحق بصقبه . هذا وأجيب عن حديث جابر بأن تخصيص ما لم يقسم بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه وقوله : استحقاق الشفعة للجار مع ما روينا من وقوع الإخبار ولو سلم أنه من كلام سيد الأبرار فمعناه لا شفعة بسبب القسمة لتوهم أن القسمة تثبت بها الشفعة كالبيع لما فيها من معنى التمليك من كل واحد من الشريكين للآخر