- ما من ميت يموت .
وبه ( عن علقمة عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ما من ميت ) من المسلمين ( يموت ) أي قبل موته ( له ثلاثة من الولد ) بفتحهما وضم فسكون اسم جنس يشتمل المذكر والمؤنث والمعنى أنه يصبر على مصيبتهم ( إلا أدخله الجنة ) أي بشفاعتهم ( فقال عمر : أو اثنان ) وهذا عطف تلقين ومعناه التماس أن يقول أو اثنان ( فقال صلى الله عليه وسلّم : أو اثنان ) أي أو اثنان .
والحديث رواه مسلم وابن ماجه عن عتبة بن عبد الله بلفظ : ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيهما شاء دخل .
وروى الترمذي في الشمائل عن ابن عباس بحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : من كان له فرطان من أمتي أدخله الله تعالى بهما الجنة فقالت له عائشة : فمن كان له فرط من أمتك ؟ قال : ومن كان له فرط يا موفقة قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك قال : فأنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي .
أبو حنيفة ( قال : كنا مع علقمة وعطاء بن أبي رباح ) بفتح الراء ( فسأله علقمة فقال ) : أي لهم وهو من أكابر التابعين من أهل مكة ولذا عظمه وكناه بقول ( يا محمد إن ببلادنا ) يعني الكوفة وسائر العراق ( لا يثبتون لأنفسهم الإيمان ) أي بطريق الجزم والأمان ( ويكرهون أن يقولوا إنا مؤمنون ) أي بطريق إطلاق بل يقولون إنا مؤمنون إن شاء الله تعالى ( فقال : ما لهم لا يقولون ) أي وأي شيء مانع من إطلاق قولهم إنا مؤمنون يشكون ولا يترددون بل يوقنون قال علقمة : يقولون ( إنا إذا أثبتنا لأنفسنا الإيمان جعلنا أنفسنا من أهل الجنة ) والمعنى إن الله أخبر المؤمنين الجنة فإذا ادعينا أنا مؤمنون يلزم منه القول بأنا من أهل الجنة وأهل الجنة مهملون كما قال تعالى : { فريق في الجنة وفريق في السعير } ( 1 ) وكما ورد هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي وفيه بحث إذ السؤال عن قضية والإشكال من جهة الإجمال في الاستقبال ولذا قال المحققون حتى من الشافعية أن المخالفة لفظية لا حقيقة فإن من قال أنا مؤمن يريد إيمان الحال ومن قال : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى يريد الموافقات في الاستقبال والله أعلم بحقيقة الأحوال ( قال ) أي عطاء ( سبحان الله ) تنزيه أريد به التعجب ( هذا ) أي التزام الذي ( تصوره من خدع الشيطان ) أي من تلبساته وحبائله أي إنكاره بأن يقربهم إلى التردد والشك في الإيمان ولو صورة ليتوصل به إلى عدم الجزم والإيقان ( ألجأهم ) أي اضطرهم ( إلى أن وفقوا لأعظم منة الله عليهم وهو الإسلام ) أي الانقياد الظاهري والباطني الموجب للشكر المستوجب للمزيد من الثبات والدوام عليه المقتضي لدخول الجنة والقرب لديه . ( وخالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي حيث لم يرو عنه صلى الله عليه وسلّم استثناء في إيمانه ولا أعلم أحدا يستثنى في إيقانه بل قال تعالى ( أولئك ) هم المؤمنون حقا ( أولئك ) هم الكافرون حقا ولا واسطة بينهما أصلا وقطعا في الحال المرتهنة مع احتمال تغير الحال باعتبار الخاتمة ( رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) وBهم ( يثبتون الإيمان لأنفسهم ) أي من غير ترددهم في قولهم ولا استثناء في مقولهم ( يذكرون ذلك ) أي يروون مثل ذلك ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي قولا وفعلا وتقريرا ( أفعل بهم الله ) للقوم المذكورين ( يقولون ) : خبر معناه أي يقولوا والمعنى ليقولوا ( إنا مؤمنون ولا يقولوا إنا من أهل الجنة ) إذ لا يلزم ذلك من وجود ما هنالك ( فإن الله لو عذب أهل سماواته ) أي من الملائكة المقربين ( وأهل أرضه ) أي من الأنبياء والمرسلين ( يعذبهم وهو غير ظالم لهم ) إذ الظلم لا يتصور عنه سواء يكون بمعنى وضع الشيء في غير محله أو بمعنى التعدي في ملك غيره .
وقد قال تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد } ( 2 ) وقال D : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ( 3 ) .
وقال أهل السنة والجماعة : إن الله سبحانه لا يجب عليه إثابة مطيع ولا عقوبة عاص ( فقال له علقمة : يا أبا محمد إن الله لو عذب الملائكة الذين لم يعصوه ) صفة كاشفة أو احترز به من نحوها روت وما روت ( طرفة عين ) أي غمضتها ( عذبهم وهو غير ظالم بهم ) وعلى هذا القياس ولو عذب الأنبياء المعصومين وإنما تركهم لظهور أمرهم في باب المقالية من علو قدرهم فكان همزة الاستفهام مقدرة على قوله : عذبهم ليصح ( قال ) أي علقمة ( نعم قال ) أي ثم قال علقمة ( هذا ) أي الذي ذكر إجمالا ( عندنا عظيم ) أي أمره ( فكيف نعرف هذا ) أي تفصيلا ( فقال له با ابن أخي ) أي في الدين فإن المؤمنين أخوة في مقام اليقين ( من هنا ) أي هذا الباب الذي هو طريق التحقيق ( ضل أهل القدر ) المعتزلة وسائر أهل البدعة ( فإياك أن تقول بقولهم ) أي في هذه المسألة ( فإنهم أعداء الله ) أي أعداء دينه ( الرادون على الله ) أي ما ورد في كلام وصح في حديث رسوله بتمامه على وجه وضوحه ونظامه ( أليس يقول الله للنبي ) صلى الله عليه وسلّم ( قل فلله الحجة البالغة ) أي البينة الواضحة بلغت غاية المثابة والقوة على الثبات المدعى من الكتاب والسنة وإجماع الأمة . ( فلو شاء لهداكم أجمعين ) أي بالتوفيق بها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم وضلالة آخرين وقد اتفق كلمة السلف على ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلّم : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فسبحان الله أن يجري في ملكه إلا ما يشاء من الخير والفحشاء ( فقال له علقمة : اشرح ) أي أوضح ( يا أبا محمد شرحا ) أي إيضاحا ( يذهب عن قلوبنا هذه الشبهة ) أي بالكلية في قطع القضية ( فقال : أليس الله تبارك وتعالى دال الملائكة على تلك الطاعة ) أي هداهم إليها ( وألهمهم إياها ) أي وفقهم عليها ( وعزمهم عليها ) في كثرة الطاعة والعصمة عن المخالفة ( وجبرهم على ذلك ) أي وقهرهم على هنالك بحيث لا يتصور أنهم يعصون الله ما آمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( قال ) أي علقمة ( نعم فقال ) أي عطاء ( وهذه ) أي وهذه المذكورات ( نعم ) أي كثيرة تدخل في محظورات ( أنعم الله بها عليهم قال : فلو طالبهم ) أي الله ( بشكر هذه النعم ) أي القيام بأداء حقها كما هو لائق لمنعمها ( ما قدروا على ذلك ) واعترفوا بقولهم ما عبدناك حق عبادتك ولعجزوا عن الشكر وقصروا عن الذكر ( وكان له ) أي الله ( سبحانه أن يعذبهم بتقصير الشكر وهو غير ظالم لهم ) ومضمون هذا الحديث الشريف روي موقوفا عن بعض الصحابة ومرفوعا عن معتصم .
فرواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن الديلمي قال : أتيت أبي بن كعب فقلت له وقد وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي فقال : لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار قال : ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك .
ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلّم مثل ذلك .
_________ .
( 1 ) الشورى 7 .
( 2 ) فصلت 46 .
( 3 ) الأنبياء 23