- سؤال القبر .
أبو حنيفة ( عن رجل عن سعد بن عبادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إذا وضع المؤمن ) أي دفن في قبره حقيقة أو حكما والمراد به مؤمن هذه الأمة ( أتاه الملك ) أي جليسه فلا ينافي ما ورد من أنه أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما نكير وللآخر منكر ( فأجلسه ) أي أحدهما أو كل منهما ( فقال : من ربك ) الذي خلقك ورزقك ( فقال ) أي المؤمن ( الله ) أي ربي ويحتمل حذف المبتدأ والخبر ( قال : ومن نبيك ؟ قال : محمد قال : وما دينك قال الإسلام ) والسؤال الثاني مؤكد للأول لتلازمها قال : أي النبي صلى الله عليه وسلّم ( فيفسح ) بصيغة المجهول أي فيوسع له ( في قبره ) أي بعدما يحصل له ضغطه في بدو أمره ( ويرى ) بصيغة المجهول من الإراءة ( مقعده ) نصب على المفعولية ومن في ( من الجنة ) بيانية .
وفي رواية زيادة : مقعده من النار لو كان من الكفار فيزيد سرورا على سرور في مشاهدة تلك الدار ( فإذا كان ) أي الميت أو المدفون ( كافرا أجلسه الملك فقال : من ربك ؟ قال : هاه ) بالسكون كلمة توجع والهاء الأولى مبدلة من همزة آه كما نقله السيوطي عن القرطبي وفي رواية هاه هاه ( لا أدري ) أي لا أعلم وقوله ( كالمضل ) جملة اعتراضية تشبيهية هي الفاعل ومفعوله وهو ( شيئا ) والأقرب أن يكون شيئا مفعولا للمضل ولا أدري يكون منزلا منزلة اللازم أي ليس لي دراية ( فيقول ) أي الملك ( من نبيك ؟ ) لأن الإيمان بالنبي السعيد مستلزم للتوحيد ( فيقول : هاه لا أدري كالمضل شيئا فيقال : ما دينك ؟ فيقول لا أدري كالمضل شيئا فيضيق عليه قبره ) أي فيزداد في ضيق أمره ( ويرى مقعده من النار ) .
وفي رواية زيادة ومقعده من الجنة لو كان من الأبرار ليزيد حزنا على حزن وهذا معنى قوله E " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران " ( فيضربه ) أي الملك ( ضربة ) أي بمقمعة من نار أو بمطرقة من حديد كما في بعض الروايات ( يسمعه ) أي صوت ضربه أو صوت مضروبه ( كل شيء من المخلوقات إلا الثقلين الجن والإنس ) وذلك لأنهم مكلفون بالإيمان الغيبي ( ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي استشهادا أو اعتضاد { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } وهو الإقرار اللساني المطابق للتصديق الجناني بالتوحيد الإلهي والإرسال النبوي { في الحيوة الدنيا } يعني قبل الموت { وفي الآخرة } ( 1 ) في القبر هذا قول أكثر أهل التفسير وقيل { في الحياة الدنيا } في القبر عند السؤال { وفي الآخرة } عند البعث والأول أصح كما صرح به البغوي وفي البخاري عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : المسلم اذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذلك قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( 2 ) .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } قال نزلت في عذاب القبر حين يقال ومن ربك ؟ يقول : ربي الله ونبيي محمد فذلك { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( 2 ) الآية .
والأحاديث في ذلك كثيرة في المبنى وقد تواترت بحسب المعنى وأجمعوا عليه أهل السنة خلافا لبعض أهل البدعة { ويضل الله الظالمين } ( 2 ) أي لا يهدي المشركين في القبر إلى الجواب الصواب { ويفعل الله ما يشاء } ( 2 ) من التوفيق والخذلان والإعطاء والحرمان بمن يشاء من عباده في دار الامتحان .
وبه ( عن علقمة عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه : " أترضون ) أي تحبون ( أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قالو : نعم قال : أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) أي في الكثرة بالنسبة إلى سائر أمم الإجابة ( قالوا : نعم قال : أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة ؟ قالوا : نعم قال : أبشروا فإن أهل الجنة عشرون ومائة ) وهو لغة في مائة وعشرين ( صفا صف أمتي أمتي من ذلك ثمانون صفا ) فيكونون ثلثي أهل الجنة .
وأرجو أن ثلثي هذه الأمة في الجنة جماعة الحنفية لكثرتهم بالنسبة إلى المالكية والشافعية والحنبلية وإن كان الكل على ملة الحنيفية .
والحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة ؟ .
ورواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري ولفظه : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ والذي نفسي بيده لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة .
وفي رواية لأحمد وعبد بن حميد في تفسيره عن جابر إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة .
وفي رواية الطبراني عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أهل الجنة مائة وعشرون صفا أنتم كانوا والناس سائر ذلك وأنتم وفاء سبعين أمة خيرها وأكرمها على الله .
وفي رواية للطبراني والحاكم عن ابن مسعود : أهل الجنة مائة وعشرون صفا وأنتم منها ثمانون صفا .
وفي رواية لأحمد والطبراني عن ابن مسعود كيف أنتم وربع الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها كيف أنتم وثلثها كيف أنتم والشطر كيف أنتم وأهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفا .
وروى ابن أبي حاتم عن عوف بن مالك : أمتي ثلاثة أثلاث فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة وثلث يمحصون ويكشفون ثم تأتي الملائكة فيقولون : وجدناهم يقولون لا إله إلا الله فيقول الله : صدقوا لا إله إلا أنا فأدخلوهم الجنة بقول لا إله إلا الله .
_________ .
( 1 ) إبراهيم 27 .
( 2 ) سورة إبراهيم 27