- حديث القدر .
وبه ( عن علقمة عن يحيى عن يعمر ) على وزن ينصر ( قال : بينما أنا مع صاحب لي بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ بصرنا ) بضم الصاد والباء في ( بعبد الله بن عمر ) للتعدية كقوله : فبصرت به إذ أي رأيناه والمعنى فاجأنا روية ( فقلت لصاحبي : هلا لك ) أي رغبة ( أن نأتيه فنسأله عن القدر ) أي عن الإيمان من جهة إثباته ونفيه لاختلاف الناس في أمره ؟ ( قال : نعم فقلت دعني ) أي اتركني ( حتى أكون أنا الذي أسأله ) بدلا عنك ( فإني أعرف به منك ) أي أكثر معرفة وأزيد معاشرة ( قال : فانتهينا إلى عبد الله فقلت يا أبا عبد الرحمن ) وهو كنية ( إنا ) أي معشر التابعين ( ننقلب في هذه الأرض ) أي نسافر ونتردد في جنسها أو بخصوص بعضها وهو الذي كثير لغات القدر فيها ( فربما قدمنا البلدة ) أي بلدة من بلادها ( بها قوم يقولون : لا قدر ) أي لا قضاء مقدرا وإنما يكون الأمر مستأنفا ميسرا ( فما نرد عليهم ) أي فأي شيء نجيبهم ليكون القائل به مختبرا ومحترزا ( قال : أبلغهم مني ) أي أوصلهم من جانبي وأخبرهم على لساني ( إني بريء منهم ) وفيه دليل على أن قول الصحابي حجة ( 1 ) كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلّم : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ( ولو أني وجدت أعوانا ) أي مساعدين ( لجاهدتم ) لترويج أمر الدين إذا كانوا في بلدة مجتمعين ( ثم أنشأ ) أي شرع وابتدأ ( يحدثنا ) أي عن النبي صلى الله عليه وسلّم تقوية لما تقدم ( قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه رهط ) أي جمع ( من الصحابة ) أي المخصوصين ( إذ أقبل شاب ) في السن والقوة ( جميل ) في الهيئة ( أبيض ) في الصورة ( حسن اللمة ) بكسر اللام وتشديد الميم وهي الشعر الذي يلم بالمنكب ( طيب الريح عليه ثياب بيض ) بتنوينها وفي نسخة بإضافتها ( فقال : السلام عليك يا رسول الله ) أي خصوصا ( السلام عليكم ) أي متلفتا لأصحابه عموما .
( قال : فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي سلامه بأحسن رد ( ورددنا معه ) أي كذلك ( فقال : ادنو ) أي أقرب إليك ( يا رسول الله قال " أدن " ) أي أقرب ( فدناه دنوة أو دنوتين ) أي قرب خطوة أو خطوتين ( ثم قال ) : أي الرجل ( موقرا ) أي معظما لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم قال : ( ادنو ) يا رسول الله ( فقال : " ادنه " ) بهاء السكت ( فدنا حتى التصق ركبتيه بركبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) في بعض الروايات وضع يديه على فخذيه صلى الله عليه وسلّم إرادة لكمال التقرب إليه مع غاية التأدب لديه ( فقال : أخبرني عن الإيمان ) أي عن المؤمن به إجمالا ( قال : " أن تؤمن بالله " ) أي بذاته وصفاته ( وملائكته وكتبه ورسله ولقائه " ) أي بالقبر أو البعث أو برؤيته في الجنة ( واليوم الآخر ) من حشره ونشره ( والقدر خيره وشره ) أي حلوه ومره ونفعه وضره ( من الله ) أي من قضائه وأمره بحيث لا يتصور تغيره بغيره ( فقال : صدقت قال : فعجبنا من تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وقوله : صدقت ) تفسير لما قبله ( كأنه يعلم ) أي الحكم عيانا ويسأل عنه امتحانا وقال : ( فأخبرني عن شرائع الإسلام ) أي فرائضه وأركانه ( ما هي ؟ ) أي التي مدارها عليها وأساسها لديها ورجوع سائرها إليها ( قال : " إقام الصلاة " ) أي إقامتها بشرائطها وأركانها ( وإيتاء الزكاة ) أي إعطاء ما يجب من المال لمستحقها على وجه تمليكها ( وحج البيت ) بفتح الحاء وكسرها أي قصد بيت الله الحرام وسائر المشاعر العظام ( لمن استطاع إليه سبيلا ) بالزاد والراحلة ذهابا وإيابا ( وصوم رمضان ) أي أيام شهره مع تعظيم أمره ورعاية قدره ( والاغتسال من الجنابة ) أي لجميع أعضاء بدنه .
وفي الروايات المشهورة بدل هذا الخامس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو كأنه أول أركانه وهو الموافق لما ورد في الصحيح : " بني الإسلام على خمس " الحديث ( قال : صدقت فعجبنا لقوله صدقت ) .
والحاصل أن السؤال الأول وجوابه تحقيق الإيمان وتصديقه من جهة الباطني والثاني انقياد الظاهر وهذا فرق لغوي وفي الاعتبار الشرعي مفهوم الإيمان والإسلام واحد فكل مؤمن مسلم كما أن كل مسلم مؤمن .
نعم يدل الحديث على أن الإيمان في التحقيق مجرد التصديق وأما الإقرار فشرط لإجراء أحكام الإسلام وأما بقية الأعمال فمن باب الإكمال والله أعلم بالأحوال .
( قال : فأخبرني عن الإحسان ) ؟ أي تحسين الإيمان والإسلام في مقام المرام ما هو ( قال : " الإحسان أن تعمل لله " ) وفي الرواية المشهورة أن تعبد الله ( كأنك تراه ) حاضرا لديك وناظرا إليك ( فإن لم تكن تراه ) أي تشاهده بهذا المنوال ( فإنه يراك ) أي فاعلم أنه يراك في جميع الأحوال فيجب عليك أن تحسن الأعمال ( قال : ) أي الراوي ( فإذا فعلت ذلك فأنا محسن ) في عمله ( قال : نعم قال : صدقت قال : فأخبرني عن الساعة ) متى ينتهي أي أين وقت وقوعها ؟ ( قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " ) أي كل مسؤول عنها عاجز من جوابه كالسائل عنها فإنه سبحانه استأثر بعلمها فلا يعلمها إلا هو ( ولكن لها أشراطا ) هي علامات تدل على قربها ( فهي من الخمس التي استأثر الله بها ) وفي الصحيح مفاتيح الغيب الخمس فقال : أي فقرأ استشهادا أو فكر اعتقادا { إن الله عنده } أي لا عند غيره { علم الساعة } أي علم وقت قيام ساعة القيامة { وينزل الغيث } في وقت يعلمه { ويعلم ما في الأرحام } أي لا يعلمه غيره { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } أي في المستقبل { وما تدري نفس بأي أرض تموت } عند انتهاء الأجل { إن الله عليم خبير } ( 2 ) بما أراده من الأنبياء والأولياء إلا علم الساعة فإنه كما في قوله تعالى : { أكاد أخفيها } ( 3 ) أي عن نفسي لو أمكن وهذا غاية المبالغة أو أخفي إتيانها فضلا عن بيان وقتها لحكمة اقتضت إخفاءها ( قال : صدقت ثم انصرف ) أي ذهب ونحن نراه قال النبي صلى الله عليه وسلّم علي بالرجل أي نادوه لي واطلبوه لأجلي ( فقمنا في أثره ) بفتحتين وبكسر فسكون أي طالبين في عقبه ( لا ندري أين توجه ولا رأينا شيئا ) أي مما يدل عليه ( فذكرنا ) ذلك ( للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال : " هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم معالم دينكم " ) أي مجملها أو طريق سؤالها ( " والله ما أتاني في صورة " ) أي من دحية وغيره ( إلا وأنا أعرفه فيها إلا هذه الصورة ) وقد بسطنا في هذا الحديث المتين في شرح الأربعين والله الموفق والمعين .
_________ .
( 1 ) وفيه دليل على : أن قول الصحابة حجة . عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم : أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى انتهى . وقال في ترجمة زيد العمي نعيم بن حماد حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعا : سألت ربي في ما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضهم أضوء من بعض فمن أخذ بشيء مما هو عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى هذا باطل .
مفاتيح الأسرار التراويح صفحة 57 .
( 2 ) لقمان 34 .
( 3 ) طه آية 15