وأما تشدده C تعالى في شروط قبول الأحاديث التي تروى آحادا فكان مبعثه الاحتياط البالغ لدين الله وذلك أن وضع الأحاديث في عصره قد كثر كثرة مزعجة من الزنادقة والمبتدعة فاضطره ذلك إلى تشدده في شرط الصحيح ولهذا قال العلماء : إن أبا حنيفة لم يخالف الأحاديث عنادا بل خالفها اجتهادا لحجج واضحة ودلائل صالحة وله بتقدير الخطأ أجر وبتقدير الإصابة أجران والطاعنون عليه إما حساد أو جهال بمواقع الاجتهاد ( 7 ) .
هذا وأن أبا حنيفة ممن تذكر آراؤهم في مصطلح الحديث فكيف يكون قليل البضاعة فيه ثم يعتبر عند علماء ذلك الفن من الأئمة الذين تدون آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله ويعتمد مذهبه بينهم ويعول عليه ردا أو قبولا ؟ .
ولقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ حتى عده الذهبي في تذكرته التي هي ثبت الحفاظ وحدث عنه يحيى بن نصر فقال : دخلت عليه في بيت مملوء كتبا فقلت له : ما هذا ؟ فقال : هذه الأحاديث ما حدثت منها إلا اليسير الذي ينتفع به .
_________ .
( 1 ) ( الكوثري - تأنيب الخطيب - 223 - 225 ) .
( 2 ) ( الزبيدي - الجواهر المنيفة . المقدمة / 5 ) .
( 3 ) ( نفس المصدر 1 / 8 ) .
( 4 ) ( الميزان للشعراني / 51 ) .
( 5 ) ( الكوثري - تأنيب الخطيب - 228 ) .
( 6 ) ( التأنيب - 221 ) .
( 7 ) ( أبو زهو - الحديث والمحدثون - 286 )