- حديث الشفاعة .
وبه ( عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك } ( 1 ) أي يتوقع لك أن يقيمك { مقاما محمودا } ( 1 ) أي يحمدك فيه الأولون والآخرون ( قال ) النبي صلى الله عليه وسلّم في تفسيره ( المقام المحمود : الشفاعة ) أي جنس شفاعته التي منها الشفاعة العظمى لجميع البرية ومنها الشفاعة التي هي خاصة لبعض هذه الأمة ( يعذب الله قوما من أهل الإيمان بذنوبهم ) أي من الكبائر والصغائر ( ثم يخرجوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلّم ) فيه وضع الظاهر موضع الضمير .
وقد ورد في حديث صحيح : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ( فيؤتى بهم نهرا ) بفتح الهاء وسكون الراء أي نهر من أنهار الجنة ( يقال له الحيوان ) بفتح الياء أي نهر الحياة الأبدية والعيشة السرمدية ( فيغمسون فيه ) ليذهب عنهم جميع ما يكرهون من سواد اللون ونتن الريح ونحو ذلك ( ثم يدخلون الجنة ) أي جردا مردا مطهرين ( فيسمون ) بفتح الميم المشددة أي فيقال لهم في الجنة الجهنميين لكتابة هؤلاء عتقاء الله من النار على جباههم ( ثم يطلبون إلى الله تعالى ) أي متضرعين الله أن يذهب عنهم ما يعرفون به ( فيذهب عنهم ذلك الاسم ) برفع الكتابة المعهودة من سورة الجسم .
( وفي رواية قال : يخرج الله قوما من أهل النار ) أي عصاة ( من أهل الإيمان ) وهو طائفة من أهل السنة والجماعة ( والقبلة ) يشتمل سائر أهل البدعة ( بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلّم ) أي العامة ( وذلك ) أي المقام ( هو المقام المحمود ) عند الملك المعبود حتى فسر بجلوسه على الكرسي والعرش وبه يغبطه الأولون والآخرون ( فيؤتى بهم ) أي بذلك القوم بعد قبول الشفاعة في حقهم نهرا يقال له : الحيوان على سبيل المبالغة فيلقون وهم كالفحم ( فينبتون ) أي فيتغير به أحوالهم وألوانهم وأشكالهم ( كما ينبت الشعارير ) بفتح المثلثة والعين المهملة صغار القثاءة شبهوا بها لأنها تنبت سريعا ( ثم يخرجون عنه ) بصيغة المعلوم والمجهول وكذا في قوله : ( ويدخلون الجنة فيسمون الجهنميين ثم يطلبون إلى الله ) أي يدعونه ( أن يذهب عنهم الاسم فيذهب عنهم ) بصيغة المعروف أو ضده .
وفي الجملة يكره العار حتى في ذلك الدار ولذا قال بعض الأحرار : النار ولا العار .
( وفي رواية نحوه ) أي بمعناه دون مبناه . ( وزاد في آخره فيسمون عتقاء الله ) أي فيفرحون بهذا اللقب للإضافة إلى الرب ونظيره ما قيل : لا تدعني إلا بيا عبد الله فإنه أشرف أسمائنا .
قال الجامع : ( وروى أبو حنيفة هذا الحديث ) أي يفسر أيضا ( عن أبي روبة شداد ابن عبد الرحمن عن أبي سعيد ) . وللحديث طرق ثانية كما هي مذكورة في البدور السافرة في أحوال الآخرة .
وبه ( عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لا يشكر الله ) بالنصب على أنه مفعول بتقدير مضاف أي نعمه وفاعله ( من ) وهي موصولة بمعنى الذي ( لا يشكر الناس ) أي إحسانهم لأن من لم يشكر القليل لا يشكر الجزيل أو لأن إحسانهم أيضا من جملة إنعامه سبحانه حيث أجراه على أيديهم وقد ورد : من أحسن إليه أحد معروفا فقال لقائله : جزاك الله خيرا فقد بالغ في الثناء والمعنى أنه قد خرج منه بهذا الشكر وهذا أقل ما يقع مقابله في أمره .
والحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي عن أنس ولفظه : " من لم يشكر الناس لم يشكر الله " .
وفي رواية الترمذي عن أبي هريرة : " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " .
_________ .
( 1 ) الإسراء 79