أبو حنيفة ( عن محمد بن المنكدر عن عثمان بن محمد عن طلحة بن عبيد الله ) من العشرة المبشرة المسلم قديما وشهد المشاهد كلها غير بدر عن عذر ووقى النبي صلى الله عليه وسلّم يوم أحد بيده فشلت إصبعه وجرح يومئذ أربعة وعشرين جراحة قتل في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة ( قال : تذاكرنا ) أي نحن معشر الصحابة ( لحم صيد يصيده الحلال ) أي لنفسه أو لغيره ولو كان محرما ( فيأكله المحرم ) أي ونازعنا في جوار أكله منه ( ورسول الله صلى الله عليه وسلّم نائم ) أي مستغرق في النوم حتى ارتفعت أصواتنا أي حين اختلف جدالنا ( فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي استنبه ( قال : فيم ) أي في أي شيء ( تتنازعون ) أي تتباحثون ؟ .
( فقلنا : في لحم صيد يصيده الحلال فيأكله الحرم قال : فأمرنا بأكله ) أي جوز لنا أكله وهذا مقيد عندنا بما لم يدله المحرم ولا أمره بقتله ولا ساعده في أخذه لما في أبي داود والترمذي والنسائي عن جابر مرفوعا : لحم الصيد حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوا أو يصاد لكم هكذا بالألف في يصاد فالعطف بحسب المعنى والتقدير أو ما يصاد لكم أي لأجل أمركم سيجيء تحقيقه .
والحديث الأول أخرجه محمد في الآثار عن أبي حنيفة بسنده المذكور وأخرجه أبو نعيم عن محمد بن المنكدر قال حدثنا شيخ لنا عن طلحة بن عبيد الله قال : سألنا النبي صلى الله عليه وسلّم عن لحم صيد صاده حلال لا يأكله المحرم قال : لا بأس به أو قال نعم وزاده مسلم وابن جرير وأبو نعيم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرم فأهدي لنا لحم صيد وهو راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فاستيقظ طلحة فوافق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
وبه ( عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة ) وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين ( قال خرجت في رهط ) أي جماعة دون العشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ليس في القوم حلال غيري بل كلهم محرمون ( فنظرت نعامة ) أي رأيت نعامة بفتح النون حيوان معروف يحل أكله إجماعا ( فسرت إلى فرسي ) أي متوجها إليها ( فركبتها وعجلتها عن سوطي ) أي فلم آخذه من العجلة ( فقلت لهم : ناولونيه ) أي أعطوني سوطي بيدي ( فأبوا ) أي امتنعوا عن المناولة فإنه يحرم على المحرم المساعدة في أخذ الصيد وكذا الإشارة والدلالة ( فنزلت عنها ) أي عن فرسي ( فأخذت سوطي فطلبت النعامة ) أي تتبعتها المعنى ( فأخذت منها لحما فأكلت وأكلوا ) .
والحاصل أنه يحل للمحرم أكل ما صاده حلال أو ذبحه من غير أمر محرم به ومساعدته ولو بدلالته وإشارته وقال مالك والشافعي : إذا صاد حلال صيدا لأجل محرم لا يحل لمحرم أكله لظاهر حديث جابر المتقدم وأجاب الطحاوي في حديث جابر بأن معناه أو يصيد لكم بأمركم توفيقه بين الأحاديث .
قال ابن الهمام : فإن الغالب في عمل الإنسان لغيره أن يكون بطلب منه فليكن محتملة وهذا دفعا للمعارضة إلا أن الأولى أن يستدل على أصل المطلوبة بحديث أبي قتادة على وجه المعارضة على ما في الصحيحين فإنهم لما سألوه E لم يجب بحاله حتى سألهم عن موانع الحال أكانت موجودة أم لا فقال صلى الله عليه وسلّم : " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا : لا قال : فكلوا إذا فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظم في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها " وهنا المعنى فسرت إلى فرسي أي متوجها إليها فركبتها أو عجلت عن سوطي أي فلم آخذه من العجلة فقلت لهم : ناولونيه أي أعطوني سوطي بيدي أي كالتصريح في نفي كون الاصطياد لهم مانع فيعارض حديث جابر ومقدم عليه ومقدر بما يؤول إليه لقوة ثبوته إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة بخلاف ذلك بل قيل في حديث جابر : لحم الصيد إلى آخره انقطاع وكذا في رجاله من فيه لين .
هذا ويعارض الكل حديث الصعب بن جسامة في مسلم أنه أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم لحم حمار فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال : إنا لم نرده إليك إلا أنا محرم فإنه يقتضي حرمة أكل المحرم لحم الصيد مطلقا سواء صيد له أو بأمره أو لا وهو مذهب نقل عن جماعة من السلف منهم علي كرم الله وجهه ومذهبنا مذهب عمر وأبي هريرة وطلحة بن عبيد الله وعائشة أخرج عنهم ذلك الطحاوي