( وبه عن أبي الزبير عن جابر أن سراقة ) بضم السين ابن مالك وهو ابن جعثم المدلجي الكساني كان قد ينزل قديدا ويعد في أهل المدينة روى عنه جماعة مات سنة أربع وعشرين ( قال : يا رسول الله حدثنا عن ديننا ) أي عن حقيقة أمره من حكم ربنا وقضائه وقدره ( وكنا ولدنا له ) أي خلقنا لأجله ( العمل لشيء قد جرت به المقادير ) أي مضت به تقادير التقادير ( وجفت به الأقلام ) أي فرغت من كتابته أقلام الأعلام ( أم في شيء نستقبل به العمل ) أي من الليالي والأيام ( قال : بل في شيء جرت به المقادير ) أي وفق القضاء في التحارير ( وجفت ( 1 ) به الأقلام ) أي من كل عمل يصدر من الأنام ( قال ) أي سراقة ( ففيم العمل ) أي المطلوب منه شرعا مع أنه مخلوق في بني آدم طبعا ( قال : اعملوا ) أي لا بد من ظهور العمل وطي طومار الأمل إلى انتهاء الأجل ( فكل ميسر ) أي مهيء ومعد معه ( لما خلق له ) أي من الخير والشر وما يترتب عليهما من الجنة والنار ( ثم قرأ ) أي النبي صلى الله عليه وسلّم استشهادا أو اعتضادا { فأما من أعطى } أي المال لمرضاة الله أو الطاعة لمولاه { واتقى } أي المعاصي وما يتمناه من هوان { وصدق بالحسنى } أي بكلمة التوحيد وما يتبعها من أمر الحميد { فسنيسره لليسرى } أي فنسهله للطريق السهل الموصل إلى مقام التأبيد من الجنة المؤبدة { وأما من بخل } بماله { واستغنى } بجماله وظن أنه في مقام كماله { وكذب بالحسنى } أي بكلمة الشهادة وأعرض عن موجباتها من آثار السعادة { فسنيسره للعسرى } أي للطريق الصعب في الأخرى وهي النار الموقدة .
والحديث أخرجه أحمد ومسلم وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن جابر أن سراقة قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أي شيء نعمل ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام أم في شيء نستقبل فيه العمل ؟ قال : لا بل في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام . قال سراقة : ففيم العمل إذا يا رسول الله ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذه الآية : { فأما من أعطى واتقى } إلى قوله { فسنيسره للعسرى } ( 2 ) .
( وبه عن أبي الزبير عن جابر قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي أصحابه ( بما أمر به في حجة الوداع ) من نسخ الحج بالعمرة وإتيانها في أشهر الحج دفعا لما يزعم أهل الجاهلية أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ( قال سراقة بن مالك : يا رسول الله أخبرنا عن عمرتنا ) أي عن جوازها في أشهر الحج ( ألنا ) معشر الصحابة ( خاصة ) في هذه السنة وغيرها أم للأبد فيكون عامة للأمة ( قال : هي ) أي جوازها ( للأبد ) أي جوازها أبد الدهر والحديث في الصحيحين عن جابر .
_________ .
( 1 ) قال في المرقاة جف القلم كناية من جريان القلم بالمقادير وإمضائها والفراغ منها .
( 2 ) الليل 5 - 6